للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا يتعارض مع ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم "أربع من كن فيه" وقوله في الرواية الثانية "آية المنافق ثلاث" بل الروايتان تعارض كل منهما الأخرى، وقد حاول بعض العلماء رفع هذا التعارض، فقال القرطبي: يحتمل أنه استجد له صلى الله عليه وسلم من العلم بخصالهم ما لم يكن عنده. اهـ أي فأخبر أولا بالأقل، ثم أخبر بالأكثر.

وقال الحافظ ابن حجر ما حاصله: يحتمل أن تكون العلامات الثلاث دالات على أصل النفاق، والخلة الزائدة إذا أضيفت إلى ذلك كمل بها خلوص النفاق. اهـ.

وهذا الجمع من الحافظ ابن حجر إنما بناه على روايتي البخاري، وليس فيهما "إذا وعد أخلف" وحاول الخروج من روايتي مسلم بأن الغدر في المعاهدة والخلف في الوعد معناهما قد يتحد، فعدهما خصلة واحدة، وقال: كأن بعض الرواة تصرف في لفظه، والمزيد خصلة واحدة ومجموع الخصال الواردة أربع. اهـ.

والمحقق في هذا الاحتمال يستبعده، لأن تصرف بعض الرواة في اللفظ إنما يحتمل في الروايتين المختلفتين، أما الرواية الواحدة التي تعدد خصلتين فاحتمال التصرف من الرواة بعيد.

والأولى في الجواب أن يقال: إن كل واحدة من الخمس علامة من علامات النفاق، بل الخمس من علامات النفاق، فهي أكثر من ذلك، إذ منها الملق وإظهار الرضا والإعجاب بالرؤساء مع بغضهم وكراهيتهم، فالأربع إذا اجتمعت في شخص كان منافقا خالصا، وإذا وجدت فيه خصلة منها كان فيه خصلة من النفاق، وهناك غير هذه الأربع ما هو من علامات النفاق، أما رواية: "آية المنافق ثلاث" فهي على تقدير "من " أي من آيات المنافق الكثيرة ثلاث، يدل على ذلك ما ورد في الرواية الثانية "من علامات المنافق ثلاثة".

والمقصود من هذه الخصال المذكورة التنبيه على ما عداها من خصال النفاق، إذ أصل الديانة منحصر في ثلاث: القول، والفعل، والنية، فنبه على فساد القول بالكذب، والفجور في المخاصمة، وعلى فساد الفعل بالخيانة في الأمانة والغدر في المعاهدة، وعلى فساد النية بالخلف في الوعد، لأن الخلف في الوعد لا يقدح إلا إذا كان العزم عليه مقارنا للوعد، أما لو كان عازما على الوفاء ثم عرض له مانع، أو بدا رأي، فهذا لا توجد فيه صورة النفاق قاله الغزالي في الإحياء، وقد ورد عند الترمذي وأبي داود" إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له فلم يف، فلا إثم عليه".

وقال المهلب: إنجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع، وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه واجب، استدلالا بهذا الحديث، وبقوله تعالى: {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف: ٣].

والتحقيق أن حكمه يختلف باختلاف الموعود به، والأثر المترتب على الإخلاف.

ولا شك أن المراد بالوعد المطلوب الوفاء به الوعد بالخير، أما الوعد بالشر فيستحب إخلافه، بل قد يجب إخلافه.

<<  <  ج: ص:  >  >>