وأما الكذب في الحديث الذي هو علامة من علامات المنافق فهو الكذب المتعمد الذي يترتب عليه ضرر، أما المبالغة في الوصف، أو في الإخبار عن أحوال ماضية، مما يخالف الواقع ولا يترتب عليه ضرر، فهذا وإن كان كذبا في الصورة، وإن كان ينبغي الحذر منه، إلا أنه لا يأثم كثيرا بسببه ولا يكون به منافقا.
وللغزالي كلام نفيس في هذا الموضوع لا بأس باقتباس بعضه، قال: إن الكذب ليس حراما لعينه، بل لما فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره. ثم نقل عن ميمون بن مهران قوله: الكذب في بعض المواطن خير من الصدق. أرأيت لو أن رجلا سعى خلف إنسان بالسيف ليقتله ظلما، فدخل دارا فانتهى إليك، فقال: أرأيت فلانا؟ ما كنت قائلا؟ ألست تقول: لم أره؟ وهذا الكذب واجب.
ثم قال الغزالي: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحا، وواجب إن كان المقصود واجبا، كما أن عصمة دم المسلم واجبة فمهما كان في الصدق سفك دم امرئ مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب، ومهما كان لا يتم مقصود الحرب، أو إصلاح ذات البين، أو استمالة قلب المحني عليه إلا بكذب فالكذب مباح.
إلا أنه ينبغي أن يحترز منه ما أمكن، لأنه إذا فتح باب الكذب على نفسه، فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغنى عنه، وإلى ما لا يقتصر على حد الضرورة، فيكون الكذب حراما في الأصل إلا لضرورة. اهـ.
وأما الغدر في المعاهدة فهو قبيح مذموم عند كل أمة. قال الحافظ ابن حجر: والغدر حرام باتفاق، سواء كان في حق المسلم أو الذمي. اهـ.
وقد أمر الله المسلمين بالوفاء بعهدهم للمشركين فقال: {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين} [التوبة: ٤].
وأما المخاصمة فهي لجاج في الكلام ليستوفى به مال أو حق، والفجور فيها يكون بمحاولة الوصول إلى مال الغير وإلى غير الحق، فالمخاصمة تكون على ثلاثة أحوال: مخاصمة للوصول إلى حق، ومخاصمة بغير علم، ومخاصمة للوصول إلى حق الغير.
أما المخاصمة للوصول إلى حق فالأولى تركها، حيث أمكن الوصول إليه بغيرها، لأنها تشوش الخاطر، وتنغص القلوب، وتوغر الصدور، وتهيج الغضب، إذ فيها تعريض بالطعن والتجهيل والتكذيب، وفيها تفويت لطيب الكلام، ولين الخلق مفتاح باب الجنة.
وأما المخاصمة بغير علم فهي مذمومة لما فيها من الأضرار السابقة، وزيادة عدم الهدف والغرض الصحيح.
وأما المخاصمة للوصول إلى حق الغير فهي الحالة المقصودة من الحديث "إذا خاصم فجر" أي مال عن الحق قصدا، وتلك سمة المنافق.