للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فعل ذلك إلا رياء وفخراً، ويسخرون من الفقير الذي يتصدق بنصف ما يملك، بنصف صاع ويقولون: ما فائدة هذا القليل؟ إن الله غني عن صدقته، فكان علاج هذه الفئة أن نزل فيهم قرآن يتلى، نزل فيهم قوله تعالى: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم} [التوبة: ٧٩].

فضل نفقة السر

يقول الله تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير} [البقرة: ٢٧١].

فهذه الآية تمدح صدقة العلن، وإن فضلت عليها صدقة السر، ووجه التفضيل أمران:

الأول: أن صدقة السر لا تحرج الآخذ، ولا تخدش من حيائه وكرامته وبخاصة إذا كان من أهل المروءات المتعففين الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف.

الثاني: أنها أقرب إلى الإخلاص والتوجه إلى الله، وأبعد من الرياء والسمعة.

والحديث رقم (٥٧) ينوه بشأن صدقة السر، ويجعل المتصدق الذي يبالغ في السرية والإخفاء أحد سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. قال الإمام النووي: قال العلماء: وهذا في صدقة التطوع، السر فيها أفضل لأنه أقرب إلى الإخلاص، وأبعد من الرياء، وأما الزكاة الواجبة فإعلانها أفضل، وهكذا حكم الصلاة، فإعلان فرائضها أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة". اهـ.

ولست مع الإمام النووي في قياس الزكاة في السرية والجهرية على الصلاة، فالصلاة بين العبد وربه، أما الزكاة فبين العباد، أخذ وعطاء. ثم إن الصلاة قبدت بنصوص، فلزم العمل بها، أما الزكاة، فالنصوص على أن الإخفاء عامة مطلوب، حتى النصوص التي لم تصرح بأفضلية السر أشارت إلى أفضليته، فقوله تعالى: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: ٢٧٤] قدم فيه الليل على النهار، والسر على العلن لأهمية المقدم، ولولا أن فريضة الصلاة طلب لها الجماعة فربما كانت في السر أفضل، ولا كذلك الزكاة، ثم إن الصدقات في عمومها حيث لا مخصص تشمل الواجبة والنافلة، والتعبير الشرعي عن الزكاة بالصدقة هو الشائع والمشهور.

نعم نقل الطبري وغيره الإجماع على أن الإعلان في صدقة الفرض أفضل من الإخفاء، وصدقة التطوع على العكس من ذلك.

ونقل الزجاج أن إخفاء الزكاة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل، فأما بعده فإن الظن يساء بمن أخفاها، فلهذا كان إظهار الزكاة المفروضة أفضل.

وقال أبو عطية: ويشبه في زماننا أن يكون الإخفاء بصدقة الفرض أفضل، فقد كثر المانع لها، وصار إخراجها عرضة للرياء. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>