ويتصدق ويقدم لنفسه من الخير ليجده عند الله عملاً بقوله تعالى:{وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير}[البقرة: ١١٠] أم يهمل ويمهل ويرجئ الخير ويسوف، حتى إذا بلغت الحلقوم تنبه وندم حيث لا ينفع الندم؟ حتى إذا بلغت الحلقوم قال: أخرجوا من مالي لفلان كذا، ولفلان كذا، يسمعه ورثته ولا يستجيبون، فقد بطل تصرفه ولم يعد المال ماله، فقد صار للوارث فلان وفلان؟ .
هكذا يقول الحديث (٥٨، ٥٩): جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا؟ فقال:"أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان"
ومن قبل تحذير الحديث الشريف حذر القرآن الكريم، فقال:{يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون}[المنافقون: ٩ - ١١].
نعم. في هذه الحالة يفقد المال قيمته عند صاحبه، ويتحسر على ضياع وقته في جمعه، وعلى أنه لم يؤد فيه حق ربه.
الحالة الثانية التي يفقد المال فيها قيمته يوم يكثر المال ويفيض، يوم تخرج الأرض أثقالها وكنوزها، يوم تتحول الصحاري الجرداء إلى حدائق خضراء تجري من خلالها الأنهار، يوم تعود الجزيرة العربية القاحلة، وأمثالها من القفار والجبال إلى مروج وبساتين وأنهار، يوم تخرج الأرض كنوزها من الذهب والفضة أمثال الأعمدة التي تحمل القصور، يوم تخرج الأرض كنوزها من البترول و"اليورانيوم" واللآلئ والجواهر والمعادن النفيسة، فيفيض المال ويكثر، حتى يصبح في أيدي الناس وتحت أقدامهم مثل التراب. نعم. وإن ذلك لكائن وأكثر منه سيكون، وقد ظهرت بوادره في بعض البقاع.
يومها يحتقر القاتل نفسه ويقول: في مثل هذا التافه قتلت نفساً بغير حق، ويحتقر السارق نفسه ويقول: في مثل هذا الحقير الوفير قطعت يدي، ويجيء المغتصب لمال إخوته والمقاطع لأبيه وأمه وأقاربه من أجل المال فيحتقر نفسه ويقول: في مثل هذا الهين قطعت رحمي، يمرون على الذهب والفضة فيضمون شفاههم احتقاراً له، ويشيحون عنه بوجوههم، وينصرفون لا يأخذون منه شيئاً.
تخيل معي رجلاً يخرج بزكاته في هذه الحالة. من ينظر إليها؟ من يتقبلها منه؟ سيقول له الناس: لو جئتنا بها قبل هذه الحالة قبلناها، أما اليوم فلا حاجة لنا بها. وحينئذ يندم الممسك الشحيح على ما قصر، ولات ساعة مندم.