للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

-[المعنى العام]-

قال حكيم: من مد يده لا يمد رجله. ومقابلها من لم يمد يده يمد رجله، والمعنى من لم يأخذ من غيره لا يذل له، ومن أخذ ذل، وسؤال الإحسان مذلة. {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} [المنافقون: ٨].

ولا يختلف اثنان من أهل العزة والكرامة في أن المعطي خير من الآخذ، ولا يختلف اثنان ممن يرفعون رءوسهم في أن سؤال الإحسان من الغير مذلة، وإراقة لماء الوجه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقول: "ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم". فالسؤال يذيب لحم الوجه وشيئا فشيئا وسؤالا بعد سؤال يكلح وجه السائل في الدنيا ويبعث يوم القيامة معلماً واضحاً مفضوحاً بين الخلائق، فوجهه عظام وهيكل لا لحم فيه. بل كل سؤال يسأله السائل مع القدرة على الاستغناء عنه يؤثر في الوجه علامة خدش، فإذا تعدد كان خدوشاً فإذا زاد أذاب لحم الوجه، منظر بشع، وعقاب من جنس العمل. من لم يحفظ ماء وجهه في الدنيا، لم يجد لحم وجهه في الآخرة. لقد كان السائل يسأل في الدنيا ليزداد مالاً، وليزداد من وراء ذلك وجاهة ومكانة، فكان عقابه في الآخرة نقيض دوافعه وأهدافه.

إن الإسلام حين حث على الإعطاء، وحذر من الإمساك، ونهى عن نهر السائل ورده بجفاء، قصد السائل المحروم، الذي لا يجد ما يكفيه، والذي يضطر إلى السؤال ليجد لقمة أو لقمتين، أو تمرة أو تمرتين، ومع ذلك نبه الشارع المسلم إلى الاهتمام بالمستحق غير السائل أكثر من الاهتمام بالمستحق السائل: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس فترده اللقمة أو اللقمتان والتمرة والتمرتان، إنما المسكين المتعفف، الذي لا يجد ما يكفيه، ولا يسأل الناس، فلا يفطن له المتصدقون".

إن الإسلام دين كفاح وعمل وإنتاج، يبني الدنيا ويعمل للآخرة، يدعو المسلم للعمل في دنياه كما لو كان يعيش أبداً، ويعمل لآخرته كأنه يموت غداً، حين أمره بترك البيع والشراء من أجل صلاة الجمعة عقب صلاتها بالدعوة للعمل: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون} [الجمعة: ١٠]، وفي سبيل بناء الحياة الدنيا وجه إلى العمل والإنتاج، وحذر من الكسل والخذلان: "لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب حزمة من الحطب، فيحملها على ظهره فيبيعها، فيتصدق وينفق على نفسه ويستغني عن الناس خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه".

وفي سبيل الرضا والقناعة والكسب الحلال، وذم الشره، والحرص الذي يدفع للسؤال والتكاثر يحذر برفق، فيقول: إن هذا المال كفاكهة خضرة حلوة تجري وراءها النفوس، فمن أخذها بنفس طيبة من نفس طيبة بورك له فيه، ومن أخذه من طريق غير مشروع، أو أخذه

<<  <  ج: ص:  >  >>