من الغير بشراهة، أو بإحراج الآخرين لم يبارك له فيه، ويحس بالفقر بين عينيه مهما كثر ماله، ويكون كالذي لا يأكل ولا يشبع.
إن السؤال نفسه ذل، وإن ما يأتي عن طريقه سحت، فلا يحل السؤال وما يحصله إلا في حالات ثلاث:
الأولى: أن يتحمل الرجل غرماً لإصلاح ذات البين، ولا تغطي أمواله هذا الغرم، فله أن يسأل لسداد هذا الغرم، فهو مسئولية المسلمين.
الثانية: أن يصاب بكارثة علنية مفاجئة تأتي على ماله، فله أن يسأل حتى يحصل ما به كفافه.
الثالثة: أن يخسر في عمله، فيفصل من وظيفته، أو تخسر تجارته، أو تكسد صنعته، ولا يجد الكفاف ويحتاج العون، فيشهد بحالته العالمون بأمره، فيحل له أن يسأل حتى يحصل ما به كفافه، وفيما عدا هذه الحالات لا يحل السؤال ويكون ما يحصل به سحتاً وحراماً.
ولقد خشي الصحابة من كثرة التحذير من السؤال حتى ابتعدوا عن سؤال العون في الشيء الحقير. رضي الله عنهم وأرضاهم.
-[المباحث العربية]-
(اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة. والسفلى السائلة) قال القرطبي: وقع تفسير اليد العليا والسفلى في حديث ابن عمر هذا، وهو نص يرفع الخلاف، ويدفع تعسف من تعسف في تأويله ذلك. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: لكن ادعى أبو العباس الداني في "أطراف الموطأ" أن التفسير المذكور مدرج في الحديث، ولم يذكر مستنداً لذلك. ثم وجدت في "كتاب العسكري في الصحابة" بإسناد له فيه انقطاع عن ابن عمر. أنه كتب إلى بشر بن مروان إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"اليد العليا خير من اليد السفلى" ولا أحسب اليد السفلى إلا السائلة، ولا العليا إلا المعطية. فهذا يشعر بأن التفسير من كلام ابن عمر، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر:"كنا نتحدث أن العليا هي المنفقة".
ثم قال الحافظ ابن حجر: قال أبو داود: قال الأكثر: عن حماد بن زيد: اليد العليا المنفقة. وقال غير واحد عنه: المتعففة. وللطبراني بإسناد صحيح عن حكيم بن حزام مرفوعاً:"يد الله فوق يد المعطي، ويد المعطي فوق يد المعطى، ويد المعطى أسفل الأيدي". ولأبي داود من حديث عوف بن مالك عن أبيه مرفوعاً:"الأيدي ثلاثة، فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى". ولأحمد والبزار:"اليد المعطية هي العليا، والسائلة هي السفلى". فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية، وأن السفلى هي السائلة، وهذا هو المعتمد، وهو قول الجمهور. وقيل: