اليد السفلى الآخذة، سواء كان بسؤال أم بغير سؤال، وهذا أباه قوم، واستندوا إلى أن الصدقة تقع في يد الله قبل يد المتصدق عليه. قال ابن العربي: التحقيق أن السفلى يد السائل، أما يد الآخذ فلا.
ثم قال الحافظ: يد الآدمي أربعة، يد المعطي وقد تضافرت الأخبار بأنها عليا. ثانيها يد السائل. وقد تضافرت بأنها سفلى، سواء أخذت أم لا، وهذا موافق لكيفية الإعطاء والأخذ غالباً، وللمقابلة بين العلو والسفل المشتق منهما. ثالثها يد المتعفف عن الأخذ ولو بعد أن تمد إليه يد المعطي مثلاً، وهذه توصف بكونها عليا علواً معنوياً. رابعها يد الآخذ بغير سؤال، وهذه قد اختلف فيها، فذهب جمع إلى أنها سفلى، وهذا بالنظر إلى الأمر المحسوس، أما المعنوي فلا يطرد، فقد تكون عليا في بعض الصور.
قال ابن حبان: اليد المتصدقة أفضل من السائلة، لا الآخذة بغير سؤال، فربما كان الآخذ لما أبيح له أفضل وأروع من الذي يعطى. اهـ.
وعن الحسن البصري: اليد العليا المعطية، والسفلى المانعة. اهـ ولم يوافق عليه.
وأطلق آخرون من المتصوفة أن اليد الآخذة أفضل من المعطية مطلقاً. قال ابن قتيبة: وما أرى هؤلاء إلا قوماً قد استطابوا السؤال، فهم يحتجون للدناءة. اهـ.
ثم قال الحافظ: ومحصل ما في الآثار المتقدمة أن أعلى الأيدي المنفقة، ثم المتعففة عن الأخذ، ثم الآخذة بغير سؤال؛ وأسفل الأيدي السائلة والمانعة. والله أعلم. انتهى بتصرف.
(أفضل الصدقة -أو خير الصدقة- عن ظهر غنى) الشك من الراوي، ورواية البخاري "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى". قال الخطابي: الظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعاً للكلام. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: والتنكير للتعميم، والمعنى: خير الصدقة ما فضل بعدها غنى لصاحبها، أي التي لا تستغرق مال صاحبها، بل تبقي قوته وقوت عياله وحاجاته.
قال النووي: معناه أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنياً بما بقي معه، وتقديره: أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنى يعتمده صاحبها، ويستظهر به على مصالحه وحوائجه. اهـ والتقدير أفضل الصدقة المتجاوزة غنى، وليس التقدير: الناشئة عن غنى وتستغرقه، ولذلك قال بعده: "وابدأ بمن تعول" وسيأتي زيادة إيضاح للمراد في فقه الحديث.
(وابدأ بمن تعول) يقال: عال الرجل أهله إذا قام بمؤنتهم وما يحتاجون إليه من القوت والكسوة والمسكن وغيرها، والمعنى: ابدأ بمن يجب عليك مؤنتهم ونفقتهم، فالجملة مؤكدة لصدر الحديث.
(سألت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاني) بين إسحق بن راهويه في "مسنده" سبب السؤال وهو: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى حكيم بن حزام من العطاء أقل مما أعطى أصحابه، فقال حكيم: يا رسول الله ما كنت أظن أن تقصر بي دون أحد من الناس فزاده، ثم استزاده حتى رضي". اهـ و"حكيم" بفتح