تثبت، لما شاع في زمنه من التحدث عن أهل الكتاب وما وجد في كتبهم حين فتحت بلدانهم، وأمرهم بالرجوع في الأحاديث إلى ما كان في زمن عمر رضي الله عنه لضبطه الأمر وشدته فيه، وخوف الناس من سطوته ومنعه الناس من المسارعة إلى الأحاديث وطلبه الشهادة على ذلك، حتى استقرت الأحاديث، واشتهرت السنن.
(إنما أنا خازن) في الرواية السابعة "وإنما أنا قاسم ويعطي الله" قال النووي: معناه أن المعطي حقيقة هو الله تعالى. ولست أنا معطياً، وإنما أنا خازن على ما عندي، ثم أقسم ما أمرت بقسمته على حسب ما أمرت به، فالأمور كلها بمشيئة الله تعالى وتقديره، والإنسان مصرف مربوب. اهـ وفائدة هذه الجملة دفع توهم التسلط والتحكم في العطاء والمنع.
(فمن أعطيته عن طيب نفس فيبارك له فيه)"من" اسم شرط، وقوله:"فيبارك" برفع الفعل على الاستئناف، على تقدير فهو يبارك له فيه، والجملة في محل جزم جواب الشرط.
(لا تلحفوا في المسألة) قال النووي: هكذا هو في بعض الأصول "في المسألة" بالفاء، وفي بعضها بالباء، وكلاهما صحيح، والإلحاف الإلحاح. اهـ والمراد من المسألة طلب العطاء أو الصدقة.
(ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس) في الرواية التاسعة "ليس المسكين بالذي ترده التمرة والتمرتان" فالباء في "بهذا الطواف" وفي "بالذي ترده" زائدة في خبر "ليس"، و"ال" في "المسكين" للكمال، قال النووي: معناه المسكين الكامل المسكنة، الذي هو أحق بالصدقة، وأحوج إليها ليس هو هذا الطواف، إنه بمسألته يأتيه الكفاف، إنما المسكين الكامل هو الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له، ولا يسأل الناس، وليس معناه نفي أصل المسكنة عن الطواف، بل معناه نفي كمال المسكنة، كقوله تعالى:{ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر}[البقرة: ١٧٧]. اهـ وكقولنا: ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث.
والمراد من الطواف على الناس المتردد عليهم يمد يده ويسألهم.
(قالوا: فما المسكين؟ ) الأصل عند جمهور النحاة أن "من" تستعمل في العاقل، و"ما" في غير العاقل، فكان الظاهر أن يقال: فمن المسكين؟ لكنه إذا قصد الوصف جاز استعمال "ما" في العاقل.
قال النووي: هكذا هو في الأصول كلها "فما المسكين"؟ وهو صحيح، لأن "ما" تأتي كثيراً لصفات من يعقل، كقوله تعالى:{فانكحوا ما طاب لكم من النساء}[النساء: ٣].
والمسكين مشتق من السكون، وهو عدم الحركة، فكأنه بمنزلة الميت، وهو بكسر الميم، وفتحها نادر، ويطلق على الذليل الضعيف، فيقال: تمسكن الرجل والفقر -كما قال القزاز- أصله في اللغة من