ويؤيده ظاهر الحديث الرابع عشر، كما يؤيده الحديث الخامس عشر، لأنه صلى الله عليه وسلم يدعو لنفسه وآله بأفضل الأحوال.
وجمهور الصوفية يرجحون الفقر، على أساس أن مدار طريقهم تهذيب النفس ورياضتها، وذلك مع الفقر أكثر منه مع الغنى.
كما قيل: إن الفقير أبعد عن الخطر من الغني، لأن فتنة المال والغنى أشد من فتنة الفقر. وفي الحكمة: من العصمة أن لا تجد.
وجمهور الشافعية على أن الغني الشاكر أفضل، لما تضمنه من زيادة الثواب بالقرب المالية، احتجاجاً بحديث:"ذهب أهل الدثور بالأجور ... " وفي آخره: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء}[الحديد: ٢١] وحديث: "نعم المال الصالح للرجل الصالح". رواه مسلم، وحديث:"إن الله يحب الغني التقي الخفي". رواه مسلم، وحديث سعد:"إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة". وقد وصفت يد الغني المعطي بأنها العليا، والفقير نفعه مقصور على نفسه، أما الغني فنفعه يتعدى إلى غيره، والشكر أسهل من الصبر، فالفتنة بالغنى أخف، لذا قال مطرف بن عبد الله:"لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر". وقال سعيد بن المسيب عند موته، وقد ترك مالاً:"اللهم إنك تعلم أني لم أجمعه إلا لأصون به ديني". واحتج بعضهم لذلك بقوله تعالى:{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل}[الأنفال: ٦٠] وذلك لا يتم إلا بالمال. وأكد بعضهم هذا القول بأن الغنى صفة الخالق، والفقر صفة المخلوق، وصفة الحق أفضل من صفة الخلق. قال الحافظ ابن حجر: ودعوى أن جمهور الصحابة كانوا على التقلل والزهد ممنوعة، بالمشهور من أحوالهم، فإنهم كانوا على قسمين بعد أن فتحت عليهم الفتوح؛ فمنهم من أبقى ما بيده، مع التقرب إلى ربه بالبر والصلة والمواساة، مع الاتصاف بغنى النفس، وهم قليل بالنسبة للطائفة الأخرى، ومن تبحر في سير السلف علم صحة ذلك. اهـ.