للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من حسن حال ذلك الإنسان، فقال: يا رسول الله-، مالك عن فلان؟ تذكيراً، ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هم بعطائه من المرة الأولى، ثم نسيه. فأراد تذكيره، وهكذا المرة الثالثة، إلى أن أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن العطاء ليس هو على حسب الفضائل في الدين، وأنه يعطي ناساً مؤلفة، في إيمانهم ضعف، لو لم يعطهم كفروا، فيكبهم الله في النار، ويترك أقواماً هم أحب إليه من الذين أعطاهم، لا يتركهم، احتقاراً لهم، ولا لنقص دينهم، ولا إهمالاً لجانبهم، بل يكلهم إلى ما جعل الله في قلوبهم من النور والإيمان التام، واثقاً من أنه لا يتزلزل إيمانهم لكماله.

قال: وقد ثبت هذا المعنى في صحيح البخاري عن عمرو بن تغلب: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بمال أو سبي، فقسمه فأعطى رجالاً، وترك رجالاً، فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله تعالى، ثم أثنى عليه، ثم قال: أما بعد. فوالله إني لأعطي الرجل، وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكني أعطي أقواماً لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير".

(أن أناساً من الأنصار قالوا يوم حنين) سيأتي وصف هؤلاء الناس، و"حنين" واد قريب من الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً من جهة عرفات، و"يوم حنين" أي غزوة حنين، وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم إليها لست خلت من شوال سنة ثمان من الهجرة، مكث بمكة بعد فتحها نصف شهر لم يزد، ثم بلغه تجمع قبائل هوازن يؤيدهم ثقيف لحرب المسلمين، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيش لم يسبق للمسلمين، اثنى عشر ألفاً من الرجال بخيل وإبل وسلاح، يبعث على الغرور، حتى قال رجل منهم: لن نغلب اليوم عن قلة، فكانت هزيمة المسلمين وفرارهم، ثم كانت العودة والكرة على المشركين فهزموا، وغنم المسلمون غنائم كثيرة، السبى ستة آلاف نفس من النساء والأطفال، والإبل أربعة وعشرون ألفاً، والغنم أربعون ألفاً. لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر تقسيم الغنائم، وحبسها بالجعرانة -وهي على بعد ثمانية عشر ميلاً من مكة إلى جهة الطائف- حبسها أربعين يوماً حتى عاد من حصار الطائف، رجاء أن تسلم هوازن فيرد إليها السبى.

والحديث في توزيع غنائم حنين.

(حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء) أصل الفيء الرد والرجوع، ومنه سمي الظل بعد الزوال فيئاً، لأنه رجع من جانب إلى جانب، فكأن أموال الكفار سميت فيئاً لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل، والكفر طارئ عليه، فإذا غلب الكفار على شيء من المال فهو بطريق التعدي، فإذا غنمه المسلمون منهم فكأنه رجع إليهم ما كان لهم. قاله الحافظ ابن حجر.

(فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل) أي ولم يعط الأنصار شيئاً، كما جاء في الرواية التاسعة، ووضحت الرواية الحادية عشرة بعض هؤلاء الرجال، ولفظها: "أعطي أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، كل إنسان منهم مائة من الإبل".

<<  <  ج: ص:  >  >>