(فقالوا) أي الأنصار، وأسند القول إليهم مع أن القائل بعضهم لرضاهم بالقول.
(يعطي قريشاً ويتركنا؟ وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ ) وفي الرواية الثامنة "إن هذا لهو العجب"، "وإن غنائمنا ترد عليهم"؟ وفي الرواية التاسعة "فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة فنحن ندعي؟ وتعطي الغنائم غيرنا"؟ وفي الرواية الثانية عشرة "فبلغه أن الأنصار يحبون أن يصيبوا ما أصاب الناس"، وفي الرواية الثالثة عشرة "فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها. وما أريد فيها وجه الله". وكل هذا القول حصل من المجموع على التوزيع، والقصد من قولهم:"وسيوفنا تقطر من دمائهم" أنهم قريبو عهد بالإسلام، لم يخدموا ولم يجاهدوا في سبيله، ونحن الذين رددناهم إلى الإسلام، فنحن أحق بغنائمه. والاعتراض بقريش لما أنهم أهله صلى الله عليه وسلم، ففي إيثارهم الشبهة، وإلا فقد ذكرنا أن البعض لم يكن قرشياً.
(فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم)"رسول الله" نائب فاعل، والإشارة مفعول "حدث" بضم الحاء وكسر الدال المشددة، مبني للمجهول و"من" بيانية، بمعنى "أي" والتقدير حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم قولهم. وفي الرواية الثامنة "فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم".
(فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قبة من أدم، فلما اجتمعوا جاءهم) أي في قبة من جلد مدبوغ، والمعنى أرسل إليهم وأمر باجتماعهم في هذا المكان، وذكر ابن إسحق عن أبي سعيد قال:"لما أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في نفوسهم، حتى كثرت منهم المقالة، فدخل عليه سعد بن عبادة فذكر له ذلك، فقال له: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: ما أنا إلا من قومي. قال: فاجمع لي قومك".
(فقال: ما حديث بلغني عنكم)؟ في الرواية السابعة فقال:"أفيكم من أحد غيركم؟ فقالوا: لا. إلا ابن أخت لنا. قال: إن ابن أخت القوم منهم". وفي الرواية الثانية عشرة "فقام فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا معشر الأنصار. ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ -"ضلالاً" بضم الضاد والتشديد، جمع ضال، والمراد هنا ضلالة الشرك، والمراد بالهداية الإيمان- "وعالة فأغناكم الله بي"؟ أي فقراء فأغناكم الله بالإسلام والغنائم؟ "ومتفرقين فجمعكم الله بي" وكانت الأنصار قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع، لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها فزال ذلك كله بالإسلام، كما قال الله تعالى:{وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم}[الأنفال: ٦٣]. قال الحافظ ابن حجر: وقد رتب صلى الله عليه وسلم ما من الله عليهم على يديه من النعم ترتيباً بالغاً فبدأ بنعمة الإيمان، التي لا يوازي بها شيء من أمر الدنيا، وثنى بنعمة الألفة، وهي أعظم من نعمة المال، لأن الأموال تبذل في تحصيلها، وقد لا تحصل. اهـ.
"فقال: ألا تجيبوني؟ فقالوا: الله ورسوله أمن" بفتح الهمزة والميم، وتشديد النون. أفعل تفضيل من المن، وفي رواية "فقالوا: ماذا نجيبك يا رسول الله؟ ولله ولرسوله المن والفضل". "فقال: أما