إنكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا، وكان من الأمر كذا وكذا -لأشياء عددها، ذكر الراوي أنه لا يحفظها" قيل: إن الراوي كنى بكذا وكذا عمداً على طريق الأدب، وهي كناية عما روى "فقال: أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم، أتيتنا مكذباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فأويناك، وعائلاً فواسيناك" فقالوا في جواب ذلك: رضينا عن الله ورسوله بل المن علينا لله ولرسوله.
قال الحافظ ابن حجر: إنما قال ذلك تواضعاً منه وإنصافاً، وإلا ففي الحقيقة الحجة البالغة والمنة الظاهرة في جميع ذلك له عليهم، فإنه لولا هجرته إليهم، وسكناه عندهم لما كان بينهم وبين غيرهم فرق، وقد نبه على ذلك بقوله "ألا ترضون .... إلخ، فنبههم على ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به منه، بالنسبة لما حصل عليه غيرهم من عرض الدنيا الفانية. اهـ.
والجمع بين هذه الروايات ظاهر، وترتيب ما قاله صلى الله عليه وسلم فيها سهل.
(فقال له فقهاء الأنصار: أما ذوو رأينا -يا رسول الله- فلم يقولوا شيئاً، وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا: يغفر الله لرسوله، يعطي قريشاً ويتركنا؟ وسيوفنا تقطر من دمائهم)؟ في الرواية الثامنة "قالوا هو الذي بلغك، وكانوا لا يكذبون" وفي الرواية التاسعة "فسكتوا" ويحتمل أن يكونوا سكتوا أولاً، ثم أجابوا بالجوابين المذكورين ويحتمل أن بعضهم سكت، وبعضهم أجاب، وأن بعضهم أجاب بالجواب الثاني، وبعضهم أجاب بالجواب الأول.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم) في الرواية السابعة: "إن قريشاً حديث عهد بجاهلية ومصيبة"[يقصد ما أصيبوا به في حروبهم وخذلانهم وقهرهم والغلبة عليهم]"وإني أردت أن أجبرهم"[وأعوضهم وأطيب خاطرهم عن مصيبتهم]"وأتألفهم"[ليثبتوا على الإيمان الطارئ الحديث، الذي دخله كثير منهم من غير اطمئنان ويقين].
(أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم برسول الله)؟ الاستفهام للتقرير، أي حملهم على الإقرار بما بعد النفي، أي أقروا بأنكم ترضون، والمراد من الناس قريش وغيرهم من غير الأنصار، والمراد من الأموال الغنائم التي قسمت، والرحال البيوت التي يرحل إليها، وفي رواية "أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله إلى بيوتكم"؟ وفي الرواية التاسعة "أن يذهب الناس بالدنيا، وتذهبون بمحمد تحوزونه إلى بيوتكم"؟ وفي الرواية الثانية عشرة "ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والإبل، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم"؟ ولا شك أن بعض هذه الروايات بالمعنى من تصرف الرواة.
(فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به) يقال: انقلب على عقبه إذا رجع، و"ما" في "لما" موصولة، أي للذي ترجعون به خير من الذي يرجعون به.
(فقالوا: بلى يا رسول الله، قد رضينا) هذه الجملة جاءت في الرواية السادسة والتاسعة والروايات يكمل بعضها بعضاً؛ فبعض الرواة يذكر ما لا يذكره الآخر.