"يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم". والتراقي جمع ترقوة بفتح التاء وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو، وهي العظم الذي بين فقرة النحر والعاتق.
والمعنى: أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها. وقيل: لا يعلمون بالقرآن فلا يثابون على قراءته، فلا يحصل لهم إلا سرده، ويؤيد هذا المعنى لفظ الرواية السابعة والعشرين:"يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم".
وقال النووي: المراد أنهم ليس لهم حظ إلا مروره على لسانهم، لا يصل إلى حلوقهم، فضلاً عن أن يصل إلى قلوبهم، لأن المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب.
قال الحافظ ابن حجر: وهو مثل قوله فيهم أيضاً: "لا يجاوز إيمانهم حناجرهم" أي ينطقون بالشهادتين ولا يعرفونها بقلوبهم.
وفي معنى قراءتهم للقرآن رطباً -أو ليناً رطباً الواردة في الرواية السابعة عشرة- أنهم من الحذق في التلاوة إلى درجة الإتيان به على أحسن أحواله. وقيل: المراد أنهم يواظبون على تلاوته، فلا تزال ألسنتهم رطبة به. وقيل: هو كناية عن حسن الصوت به. حكاها القرطبي. قال الحافظ ابن حجر: ويرجح الأول رواية "يقرءون القرآن كأحسن ما يقرؤه الناس" ويؤيد الثاني رواية "قوم أشداء أحداء ذلقة ألسنتهم بالقرآن".
قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ "لينا" بالنون، أي سهلاً، وفي كثير من النسخ "ليا" بحذف النون، ومعناه سهلاً، لكثرة حفظهم، وقيل:"ليا" أي يلوون ألسنتهم به، أي يحرفون معانيه وتأويله، وقد يكون من اللي في الشهادة وهو الميل. اهـ.
(يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية) وفي الرواية السادسة عشرة "يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية". وفي الرواية السابعة عشرة "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية". وفي الرواية الثامنة عشرة "يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية". و"الرمية" هي الصيد المرمي، فعيلة بمعنى مفعوله، وهي "الغرض" الوارد في الرواية المتممة للعشرين، والدين هنا هو الإسلام، وقيل: المراد به طاعة الإمام، والمعنى كما قال القاضي يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ في الصيد إلى الجهة الأخرى. اهـ.
وفي الرواية التاسعة والعشرين "يخرجون من الدين، كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه".
ووجه الشبه سرعة الدخول والخروج، دون الاستقرار، ودون أن يعلق بالسهم شيء من الصيد، يصور هذا المعنى قوله في الرواية الثامنة عشرة:
(فينظر الرامي إلى سهمه. إلى فصله، إلى رصافه، فيتمارى في الفوقة. هل علق بها من الدم شيء؟ ) وفي الرواية التاسعة عشرة "ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه