للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يقول الحافظ ابن حجر: أصل الخوارج أن بعض أهل العراق أنكروا سيرة بعض أقارب عثمان؛ بل كانوا ينكرون عليه أشياء، ويتبرءون منه، وكان يقال لهم: القراء. لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة، إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم، ويتنطعون في الزهد والخشوع وغير ذلك، فلما قتل عثمان قاتلوا مع علي، واعتقدوا كفر عثمان ومن تابعه، واعتقدوا إمامة علي، وكفر من قاتله من أهل الجمل، ولما خرج علي من الكوفة لقتال أهل الشام خرجوا مع علي، وحاربوا بصفين معه، فلما كاد أهل الشام أن ينهزموا رفعوا المصاحف على الرماح، ونادوا: ندعوكم إلى كتاب الله تعالى، فترك جمع كثير ممن كان مع علي -وخصوصاً هؤلاء القراء- القتال بسبب ذلك تديناً، واحتجوا بقوله تعالى: {ألم ترى إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون} [آل عمران: ٢٣] فلما اتفق أهل الشام وأهل العراق على التحكيم، وكتبوا في ذلك كتاباً كتب فيه: هذا ما قضى عليه أمير المؤمنين على معاوية امتنع أهل الشام من ذلك، وقالوا: اكتبوا اسمه واسم أبيه، فأجاب علي إلى ذلك [تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية] أنكر الخوارج على علي أمرين:

الأول: أنه خلع ثوب الإمارة.

الثاني: أنه قبل التحكيم، فعند أحمد أنهم قالوا له: "انسلخت من قميص ألبسكه الله، ومن اسم سماك الله به ثم حكمت الرجال في دين الله"، ولا حكم إلا لله. ولما رجع علي بجيشه إلى الكوفة انتظاراً لحكم المحكمين فارقه هؤلاء القراء، وخرجوا إلى مكان يقال له: حروراء، ومن ثم قيل لهم: الحرورية. وكانوا ثمانية آلاف، وقيل: كانوا أكثر من عشرة آلاف، وكان كبيرهم عبد الله بن الكواء اليشكري، وشبث [بفتح الشين والباء بعدها ثاء] التميمي، فأرسل علي إليهم عبد الله بن عباس، فناظرهم، فرجع كثير منهم معه، ثم خرج إليهم علي، فناشدهم فأطاعوه ودخلوا معه الكوفة معهم رئيساهم المذكوران.

لكنهم أشاعوا في الكوفة أن علياً تاب من قبوله التحكيم، ولذلك رجعوا معه، وجاء رجل إلى علي فقال: إنهم يتحدثون أنك أقررت لهم بالكفر لرضاك بالتحكيم، فخطب وأنكر ذلك فتنادوا من جوانب المسجد: لا حكم إلا لله. فقال لهم علي: كلمة حق يراد بها باطل [إذ كانوا يقصدون رفض التحكيم، والانخلاع من حكم علي] فقال لهم علي: لكم علينا ثلاثة: أن لا نمنعكم من المساجد، ولا من رزقكم في الفيء، ولا نبدؤكم بقتال ما لم تحدثوا فساداً.

لكنهم خرجوا من الكوفة متسربين شيئاً بعد شيء حتى اجتمعوا بالمدائن، فراسلهم علي يطلب منهم الرجوع فأصروا على الامتناع حتى يشهد على نفسه بالكفر، لرضاه بالتحكيم، ويتوب.

ثم قرروا إرغام الناس على عقيدتهم، وقرروا أن من لا يعتقد معتقدهم يكفر ويباح دمه وماله وأهله، وانتقلوا إلى تنفيذ القرار، فاستعرضوا الناس، فقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين، ومر بهم عبد الله بن خباب بن الأرت، وكان والياً لعلي على بعض البلاد ومعه سرية وهي حامل، فقتلوه وبقروا بطن سريته عن ولد، فأرسل إليهم علي رسولاً يطلب منهم تحديد قاتل ابن خباب، فقتلوا رسوله، وقالوا:

<<  <  ج: ص:  >  >>