للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كلنا قتلناه، فخرج إليهم علي بالجيش الذي كان قد هيأه للخروج إلى الشام فأوقع بهم بالنهروان ولم ينج منهم إلا دون العشرة.

هذا هو الميدان الذي تتحدث عنه أحاديث الباب.

أما بقية أمرهم فإن من بقي منهم أخذ يدعو للعقيدة، وأخذ ينضم إليه سراً من ينضم، ولم يظهر أحد منهم في خلافة علي، إلى أن قتل علي بعد أن دخل في صلاة الصبح على يد رجل منهم هو عبد الرحمن بن ملجم.

ثم لما وقع الصلح بين الحسن ومعاوية ظهرت فرقة منهم، فأوقع بهم عسكر الشام بمكان يقال له: النجيلة، ثم عملوا لدعوتهم في الخفاء في إمارة زياد وابنه عبيد الله على العراق طول مدة حكم معاوية وابنه يزيد، وظفر زياد وابنه منهم بجماعة فأبادهم بين قتل وحبس طويل، فلما مات يزيد ووقع الافتراق، وولي الخلافة عبد الله بن الزبير. ظهر الخوارج بالعراق مع نافع بن الأزرق، وباليمامة مع نجدة بن عامر، وزاد نجدة على عقيدتهم أن من لم يخرج ويحارب المسلمين فهو كافر، ولو اعتقد معتقدهم، وعظم البلاء بهم وتوسعوا في معتقدهم الفاسد فأبطلوا رجم المحصن، وقطعوا يد السارق من الإبط، وأوجبوا الصلاة على الحائض في حال حيضها، وكفروا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن كان قادراً، وإن لم يكن قادراً فقد ارتكب كبيرة وحكم مرتكب الكبيرة عندهم حكم الكافر، وكفوا عن أموال أهل الذمة وعن التعرض لهم مطلقاً، وفتكوا بمن ينسب إلى الإسلام قتلاً وسبياً ونهباً. فمنهم من يفعل ذلك مطلقاً بغير دعوة منهم ومنهم من يدعو أولاً، ثم يفتك.

ولم يزل البلاء بهم يزيد إلى أن أمر المهلب بن أبي صفرة بقتالهم فطاولهم حتى ظفر بهم، وتقلل جمعهم، ثم لم يزل منهم بقايا في طول الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية ودخلت طائفة منهم المغرب [ومازال حتى اليوم من يعتقد عقيدتهم].

ثم قال: وقد صنف في أخبارهم أبو مخنف -بكسر الميم وسكون الخاء وفتح النون بعدها فاء- كتاباً لخصه الطبري في تاريخه، وصنف في أخبارهم أيضاً الهيثم بن عدي كتاباً، ومحمد بن قدامة الجوهري أحد شيوخ البخاري كتاباً كبيراً، وجمع أخبارهم أبو العباس المبرد في كتابه "الكامل".

ثم قال: قال القاضي أبو بكر بن العربي: الخوارج صنفان: أحدهما يزعم أن عثمان وعلياً وأصحاب الجمل وصفين وكل من رضي بالتحكيم كفار. والآخر يزعم أن كل من أتى كبيرة فهو كافر مخلد في النار. وقال غيره: بل الصنف الأول مفرع عن الصنف الثاني، لأن الحامل لهم على تكفير أولئك كونهم أذنبوا فيما فعلوه بزعمهم. وقال ابن حزم: ذهب نجدة بن عامر من الخوارج إلى من أتى صغيرة عذب بغير النار، ومن أدمن على صغيرة فهو كمرتكب الكبيرة في التخليد في النار، وذكر أن منهم من غلا في معتقدهم الفاسد، فأنكر الصلوات الخمس، وقال: الواجب صلاة بالغداة وصلاة بالعشي، ومنهم من جوز نكاح بنت الابن وبنت الأخ والأخت، ومنهم من أنكر أن تكون سورة يوسف من القرآن، وأن من قال: لا إله إلا الله فهو مؤمن عند الله، ولو اعتقد الكفر بقلبه. وقال أبو منصور

<<  <  ج: ص:  >  >>