للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال القاضي: أهل البدع والبغي متى خرجوا على الإمام وخالفوا رأي الجماعة، وشقوا العصا وجب قتالهم بعد إنذارهم، لكن لا يجهز على جريحهم، ولا يتبع منهزمهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا تباح أموالهم، وما لم يخرجوا عن الطاعة وينتصبوا للحرب لا يقاتلون، بل يوعظون ويستتابون من بدعتهم وباطلهم، وهذا كله ما لم يكفروا ببدعتهم، فإن كانت بدعة مما يكفرون بها جرت عليهم أحكام المرتدين، وأما البغاة الذين لا يكفرون فيرثون ويورثون، ودمهم في حال القتال هدر، وكذا أموالهم التي تتلف في القتال، والأصح أنهم لا يضمنون أيضاً ما أتلفوه على أهل العدل في حال القتال من نفس ومال، وما أتلفوه من نفس ومال في غير حال القتال يضمنوه، ولا يحل الانتفاع بشيء من دوابهم وسلاحهم في حال الحرب عندنا وعند الجمهور، وجوزه أبو حنيفة. والله أعلم.

-[ويؤخذ من مجموعة هذه الأحاديث فوق ما تقدم: ]-

١ - في قوله في الحديث الخامس عشر: "إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم" جواز ترك قتال الخوارج على أنهم من المؤلفة قلوبهم. قال العلماء: وهذا إذا لم يظهروا رأيهم، وينصبوا للناس القتال، فإن فعلوا وجب قتالهم، وعدم قتل الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا وأصحابه لأنهم لم يظهروا ما وراءهم، فلو قتل ظاهر الصلاح عند الناس قبل استحكام الإسلام ورسوخه في القلوب لنفرهم عن الدخول في الإسلام.

نعم لو اعتقدت فرقة مذهب الخوارج مثلاً، ولم ينصبوا حرباً جاز للإمام الإعراض عنهم إذا رأى المصلحة في ذلك.

وقال ابن بطال نقلاً عن المهلب: التألف إنما كان في أول الإسلام، إذ كانت الحاجة ماسة لذلك، لدفع مضرتهم، فأما إذا أعلى الله الإسلام فلا يجب التألف، إلا أن تنزل بالناس حاجة لذلك، فلإمام الوقت ذلك.

وحكى الطبري الإجماع على الكف عن قتل من يعتقد الخروج على الإمام ما لم ينصب لذلك حرباً، أو يستعد لذلك، وقال: بشرط أن لا يكفر باعتقاده، وأسند إلى عمر بن عبد العزيز "أنه كتب في الخوارج بالكف عنهم ما لم يسفكوا دماً حراماً، أو يأخذوا مالاً، فإن فعلوا فقاتلوهم، ولو كانوا ولدي". ومن طريق ابن جريج قال: قلت لعطاء: ما يحل في قتال الخوارج؟ قال: إذا قطعوا السبيل، وأخافوا الآمن".

٢ - وفي الأحاديث أنه لا يجوز قتال الخوارج وقتلهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم، بدعائهم إلى الرجوع إلى الحق. ذكره الحافظ ابن حجر.

٣ - قال الحافظ ابن حجر: وفي الأحاديث علم من أعلام النبوة حيث أخبر بما وقع قبل أن يقع. وذلك أن الخوارج لما حكموا بكفر من خالفهم استباحوا دماءهم وتركوا أهل الذمة، فقالوا: نفى لهم بعهدهم، وتركوا قتال المشركين، واشتغلوا بقتال المسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>