فبعثت إلى عائشة منها بشيء فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة قال "هل عندكم شيء؟ " قالت: لا إلا أن نسيبة بعثت إلينا من الشاة التي بعثتم بها إليها. قال "إنها قد بلغت محلها".
٢١٦٩ - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بطعام سأل عنه فإن قيل هدية أكل منها وإن قيل صدقة لم يأكل منها.
-[المعنى العام]-
إن الصدقة من ألوان المذلة على الآخذ. مهما غلف هذا اللون بغلاف المواساة الشرعي، وليس أدل على ذلك من طلب الشريعة لإخفائها حين إعطائها "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه". {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم}[البقرة: ٢٧١].
وفي محاولة من الإسلام لرفع مذلة الآخذ للمعطي طلب تسليمها للإمام، وطلب من الإمام أخذها من الأغنياء ولو بالقوة، وأشار إلى أنها حق معلوم للسائل والمحروم، وحذر المعطي من المن على الفقير بها من جرح مشاعره بأي مظهر من مظاهر الجرح، فقال:{يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}[البقرة: ٢٦٤] .... الآية. لكن هذه المحاولات على كثرتها -وإن خففت لون مذلة الآخذ لم تغير الحقيقة، وأنها أوساخ الناس، أو غسلات أوساخهم، فهي مكفرة لذنوبهم، مطهرة لهم ولأموالهم.
من هنا يترفع عنها ذوو الشرف والجاه، ويأبى أخذها أو طلبها ذوو النفوس الأبية، وإن عضهم الفقر بأنيابه {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف}[البقرة: ٢٧٣].
وأي البشر أشرف من محمد صلى الله عليه وسلم وآله؟ أليسوا صفوة خلقه كما جاء في الحديث الصحيح القائل:"إن الله اصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".
فليس عجباً -والحالة هذه- أن يجيء التشريع الإسلامي بقوله صلى الله عليه وسلم:"إنا لا نأكل الصدقة". "إنا لا تحل لنا الصدقة". "إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد". بل بالغ صلى الله عليه وسلم في نفوره من تناوله أو تناول أهله لها في هذه الأحاديث بثلاثة مظاهر.
المظهر الأول: زجره للحسن بن علي مرة، وللحسين مرة أخرى حين أخذ كل منهما تمرة من تمر الصدقة، وهما طفلان صغيران لم يميزا بعد؛ كانا يلعبان في المسجد، وتمر الصدقة كومة فيه، ولقد بدا عنف هذا الزجر حين جاء بلفظ: كخ. كخ. وبلهفة الخوف والرهبة، وبسرعة منع هذا الحدث باليد، إذ أدخل صلى الله عليه وسلم إصبعه في فم الطفل وهو يلوك