للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التمرة فأخرجها من فمه؛ ثم أتبع ذلك بزجر وتأنيب آخر، يخاطب الطفل كأنه رجل كبير: "أما علمت أنا لا نأكل الصدقة"؟ .

المظهر الثاني: تحرزه الشديد من الوقوع فيها، وبعده عن مجرد الاشتباه فيها، وترك ما يريب بخصوصها إلى ما لا يريب، بل التأكد من بعدها لمجرد خطورها على البال، فهو صلى الله عليه وسلم يجد التمرة الواحدة في الطريق، فيرفعها ليأكلها، فيخطر بباله احتمال كونها من الصدقة، فيعطيها لصاحبه ولا يأكلها، وهو يدخل بيته فيجد فيه تمرة، أو يجد على فراشه تمرة، وهو يعلم أن الناس لا يدخلون الصدقة بيته، لكن الاحتمال الضعيف وأنها من الصدقة يمنعه من أكلها؛ بل وصل الورع به والمبالغة في التحرز أنه كان إذا قدم إليه طعام سألهم: من أين؟ أمن الصدقة هو؟ فإن قيل: من الصدقة. لم يأكل منه، وإن قيل: هدية. أكل منه.

المظهر الثالث: إبعاد بني هاشم عنها لدرجة إبعادهم عن العمالة فيها، إن العامل له أجره على ما يعمل، وإن جباة الزكاة وسعاتها لهم أجرتهم مقابل جهدهم، لكن لما كانت أجرتهم من الصدقة، وكان لهم سهم كمصرف من مصارف الزكاة بنص القرآن: {والعاملين عليها} [التوبة: ٦٠] وجدنا. صلى الله عليه وسلم يترفع بالفضل ابن عمه العباس، وبعبد المطلب بن ربيعة ابن عمه الحارث بن عبد المطلب أن يؤمرهما على الصدقات، وليؤديا ما يؤدي الناس، ويصيبا من الأجر مثلما يصيب الناس، يترفع بهما عن هذه المهمة، ويرفض طلبهما لها، ويقول: "إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد". صلى الله عليه وسلم.

أليس في ذلك القدوة الحسنة للمسلمين أن يترفعوا عن الذلة والمهانة، وعن مد الأيدي إلى المسلمين أو غير المسلمين؟ أليس في ذلك الدعوة إلى العزة والكرامة لتكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين؟ هل للمتسولين الذين يملئون ساحات الأولياء ويشغلون الطرقات ويحرجون ويحرجون أن يتعظوا ويكفوا أيديهم؟ ويعودوا إلى دينهم؟ وإلى تعاليم رسولهم؟ .

اللهم اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. (آمين).

-[المباحث العربية]-

(أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة) في رواية لأحمد عن أبي هريرة قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم تمراً من تمر الصدقة والحسن في حجره"، فهذه الرواية تبين أن الحسن كان طفلاً، كما تبين ظروف أخذ التمرة.

(فجعلها في فيه) في بعض الروايات "فلم يفطن له النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام ولعابه يسيل، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم شدقه"، وفي رواية "فلما فرغ حمله على عاتقه، فسال لعابه، فرفع رأسه، فإذا تمرة في فيه". وفي الفم لغات، تثليث الفاء مع تخفيف الميم، وفتح الفاء وضمها مع تشديد الميم، والقصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>