للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولما نزل قوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: ١] في أيام الحج عرف أنه الوداع، فأمر براحلته يوم النحر فرحلت وأعدت، فركب، فوقف بالعقبة واجتمع الناس إليه، فأمر جريرا أن يطلب منهم الإنصات فأنصتوا، فخطبهم بما يهمه وحذرهم مما يخشى عليهم منه بعد مماته، فقال: أيها الناس أتدرون أي يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فسكت، حتى ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قالوا بلى، قال: أي شهر هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. فسكت، حتى ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس ذو الحجة؟ قالوا بلى، قال: أي بلد هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. فسكت، حتى ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه. قال أليست بالبلدة الحرام؟ قالوا: بلى. قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع.

أيها الناس: لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض.

تلك وصية الوداع التي حرص صلى الله عليه وسلم أن يبلغها للناس، لأنه كان يخشى الفتن التي قامت، وكم كان صلى الله عليه وسلم يحذر منها، وكم قال: "ويل للعرب من شر قد اقترب". "وإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر". "لا يحمل بعضكم السلاح على بعض". "من حمل علينا السلاح فليس منا". "إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار".

ولم يغن حذر من قدر، ووقعت الفتن كالليل المظلم، وتقاتل المسلمون حتى قتل منهم في معركة واحدة أكثر من عشرة آلاف مسلم، قتلوا جميعاً بأيد مسلمة كان لكل منهم وجهة نظر، بناها على اجتهاد واستنباط من دليل، ولا شك أن البعض مخطئ، والبعض مصيب، ولكن تحديد المخطئ والمصيب مشكل، ولا نقول إلا أن الجميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم إلى الله.

وكل ما يعنينا من الحديث أنه أوعد وأنذر، وخوف وحذر، وأدى صلى الله عليه وسلم الرسالة، وبلغ الأمانة، ونصح الأمة، وشهد الله بذلك والملائكة وأولوا العلم.

فصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

-[المباحث العربية]-

(سباب المسلم فسوق) يقال: سبه يسبه سباً وسباباً طعنه وشتمه، والفسوق الخروج عن حدود الله، و"سباب" مصدر مضاف إلى الفاعل مع حذف المفعول، والأصل: أن سب المسلم المسلم فسوق، أو مضاف للمفعول، والأصل: سبابكم المسلم فسوق، والأول أظهر.

(وقتاله كفر) أي مقاتلة المسلم المسلم وحمل السلاح عليه كالكفر.

(في حجة الوداع) قال النووي: المعروف في الرواية "حجة الوداع" بفتح الحاء، وقال

<<  <  ج: ص:  >  >>