تتعرض هذه الأحاديث بصفة أساسية إلى حكم أكل النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقة، وإلى حكم إعطاء آله صلى الله عليه وسلم من الصدقة.
أما الأول: فإن جمهور العلماء على أن الصدقة محرمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقل بعضهم الإجماع على ذلك. وفي "المغني": الظاهر أن الصدقة فرضها ونفلها محرمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروايتنا تؤكد ذلك، ففي ملحق الرواية الأولى "أما علمت أنا لا تحل لنا الصدقة"؟ وفي الرواية الثامنة "وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد".
وقد قيل في علة المنع: إنها لتشريفه صلى الله عليه وسلم، فإن الصدقة أوساخ الناس، كما جاء في الرواية الثامنة، وبيان ذلك أنها مطهرة للملاك ولأموالهم، قال تعالى:{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم} فهي كغسالة الأوساخ.
ثم إن أخذ الصدقة مذلة، كما جاء في حديث:"اليد العليا خير من اليد السفلى" ولرسول الله صلى الله عليه وسلم اليد العليا.
وقيل: لأن اجتنابها كان من دلائل نبوته وعلاماتها، فلم يجز الإخلال به. إذ روي في حديث سلمان يخبر عن أوصافه صلى الله عليه وسلم في كتبهم قال:"إنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة". وقيل: لأنه لو أخذها لطال لسان الأعداء بأن محمداً يدعونا إلى ما يدعونا إليه ليأخذ أموالنا، فكان رد الشبهة قوله تعالى:{قل لا أسألكم عليه أجراً}[الأنعام: ٩٠]. ذكره العيني.
والأولى اعتبار هذه الأمور كلها كحكمة التشريع، وعند الحكيم علم ما شرع.
أما أن ابن تيمية ذكر في الصدقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهين، وأن للشافعي فيها قولين، وأن لأحمد قولاً في حل صدقة التطوع له صلى الله عليه وسلم، وأنه إنما تركها صلى الله عليه وسلم تنزهاً، فهذه الأقوال تردها الأحاديث الصحيحة الكثيرة المشهورة، بل البالغة حد التواتر المعنوي. والله أعلم.
وأما الثاني: وهو إعطاء آله صلى الله عليه وسلم من الصدقة فهناك خلاف بين الأئمة والعلماء في المراد من الآل، أهم بنو هاشم خاصة؟ أم هم بنو عبد المطلب؟ أم المراد بهم بنو قصي؟ أم بنو غالب؟ أم قريش كلها؟ وهل المراد بهم من كانوا في زمنه صلى الله عليه وسلم؟ أم هم ومن أتى ويأتي من نسلهم إلى يوم القيامة؟ وهل المراد الفقراء منهم؟ أم هم ومن اتصف بصفة أخرى كالعاملين عليها؟ وهل لا يأخذون من الصدقة وإن منعوا من الخمس؟ أم يعطون من الصدقة إذا منعوا من الخمس؟ وهل الحكم يعم الزكاة المفروضة والصدقة المندوبة؟ أو لا يشمل المندوبة؟ وهل لا يأخذون من صدقات المسلمين عامة؟ أم يجوز أن يأخذ الهاشمي من صدقة الهاشمي؟ وهل يلحق بهم مواليهم؟ أم لا يلحقون؟ وفي كل ذلك خلاف بين الفقهاء نعرضه بإيجاز.