هل نبقى معتمدين عليها كوسيلة العلم الوحيدة؟ أو نعتمد عليها وعلى غيرها من وسائل العلم القطعية، باعتبارها كثيراً ما يعتورها النقص والخلل؟ .
وفي كل عصر نجد المتمسكين بالقديم، المعتزين به، المتهمين لكل جديد بالقصور، المتوجسين منه خيفة، المتشككين في كفاءته وقدرته، كما نجد المسارعين إلى الجديد، الداعين إلى التطور والتخلص من الجمود، والفريق الأول بالنسبة للأمور الشرعية لا يذم، فدافعه ديني وحرص على سلامة العبادة، وتمسك بالنصوص، والفريق الثاني ينفذ إلى حكمة التشريع، وإلى روح العبادة ومقاصدها، وكل مجتهد إن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران، ونحيل بعد ذلك ما تحتاج من معاني أحاديث الباب إلى المباحث العربية وفقه الحديث ففيهما غناء عن التطويل إن شاء الله.
-[المباحث العربية]-
(لا تصوموا حتى تروا الهلال) أي لا تصوموا رمضان حتى تروا هلاله، والخطاب لأمته، لكن يكفي رؤية واحد منها أو اثنين على ما سيأتي.
(ولا تفطروا حتى تروه) أي لا تفطروا في نهاية رمضان حتى تروا هلال شوال. وفي الرواية الثالثة "فلا تصوموا حتى تروه" وفي الرواية الرابعة "فإذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا".
(فإن أغمي عليكم) في الرواية الثالثة "فإن غم عليكم" وفي الرواية الرابعة عشرة "فإن غمي عليكم""غم" بضم الغين وتشديد الميم، يقال: غممت الشيء إذا غطيته، وغم الهلال أي ستر على الناس، ومنه الغم، لأنه يستر القلب بالحزن، وسمي السحاب غيماً لأنه يستر السماء، و"أغمي" بضم الهمزة وسكون الغين وكسر الميم، و"غمي" بضم الغين وكسر الميم مخففة ومشددة. قال الحافظ ابن حجر: الكل بمعنى. وقال النووي: يقال: غامت السماء وغيمت وأغامت وتغيمت وأغمت. وفي رواية "غبي" بفتح الغين وكسر الباء مخففة من الغباوة، وهي عدم الفطنة، وهي استعارة لخفاء الهلال، وروى "عمي" بالعين، وهو بمعناه.
(فاقدروا له) بضم الدال وكسرها، يقال: قدرت الشيء أقدره بضم الدال، وأقدره بكسرها، وقدرته بتشديد الدال، وأقدرته بمعنى واحد، وهو من التقدير، ومنه قوله تعالى:{فقدرنا فنعم القادرون}[المرسلات: ٢٣]. قاله الخطابي.
وفي المعنى المراد قالت طائفة: معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب، أي ظنوا أنه تحت السحاب، وأوجب هؤلاء صيام ليلة الغيم. وقال آخرون: معناه قدروه بحساب المنازل، يعني منازل القمر. ومعناه عند الجمهور قدروا له تمام العدد ثلاثين يوماً، عملاً بالرواية الثانية وفيها "فاقدروا له ثلاثين" والثالثة عشرة، وفيها "فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوماً" والرابعة عشرة وفيها "فأكملوا العدد" والخامسة عشرة والسادسة عشرة "فعدوا ثلاثين" وللبحث تتمة في فقه الحديث.