للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الاستفاضة، واحتج له بأنه يبعد أن ينظر الجماعة الكبيرة إلى مطلع الهلال، وأبصارهم صحيحة، ولا مانع من الرؤية، ويراه واحد أو اثنان منهم.

وأجاب النووي عن هذا الاحتجاج بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة، فلا يعرج عليه، ثم إنه يجوز أن يراه بعضهم دون جمهورهم لحسن نظره أو غير ذلك، وليس هذا ممتنعاً، ولهذا لو شهد برؤيته اثنان أو واحد وحكم به حاكم لم ينقض بالإجماع، ووجب الصوم بالإجماع. اهـ.

القول السادس: قال أحمد: عند عدم الغيم يصوم بواحد، ويفطر بخبر حر أو حرتين، أما إذا كان بالسماء علة فجمع عظيم يقع العلم بخبرهم. قيل: خمسون، وقيل: مائة، وقيل: أكثر. والصحيح أن خبر الصغير المميز لا يكفي. اللهم إلا عند من يرى أنها رواية ويكتفي بخبر الواحد، أما الكافر والفاسق والمغفل فلا يقبل قولهم بالإجماع بلا خلاف، ولا خلاف في اشتراط العدالة الظاهرة، والخلاف في اشتراط العدالة الباطنة، والأصح قبول رواية المستور.

(مسألة) قال النووي: إذا قبلنا في هلال رمضان عدلاً، وصمنا ثلاثين يوماً فلم نر الهلال بعد الثلاثين فهل نفطر؟ قولان. أصحهما نفطر. اهـ.

ومع أن ظاهر الأحاديث كما ذكرنا -يرتب ثبوت الهلال على الرؤية، ويرتب الصوم على ثبوت الهلال، وينهى عن الصوم عند عدم الرؤية، ومع أن جمهور العلماء أخذوا بهذا الظاهر، وقالوا: لا نتعبد إلا بالرؤية، بحجة أن الحساب والتنجيم تخمين وظن، يحسن بنا أن نستعرض أقوالهم في ذلك ثم نناقشها لعلنا نصل -بعون الله- إلى ما هو أصلح وأصح بالنظر لحكمة مشروعية الصوم، والله المستعان على ما نقول.

قال النووي: إذا غم الهلال وعرف رجل بالحساب أنه من رمضان فوجهان، قال ابن سريج: يلزمه الصوم، لأنه عرف الشهر بدليل، فأشبه من عرفه بالبينة. وقال غيره: لا يصوم، لأنا لم نتعبد إلا بالرؤية. وقال الدارمي: لا يصوم بقول منجم. وقال قوم: يلزم الصوم. وقال صاحب "البيان": إذا عرف بحساب المنازل أن غداً من رمضان، أو أخبره عارف بذلك فصدقه، فنوى وصام بقوله فوجهان: أحدهما يجزئه، قاله ابن سريج، واختاره القاضي أبو الطيب؛ لأنه سبب حصل له به غلبة ظن، فأشبه ما لو أخبره ثقة عن مشاهدة، والثاني لا يجزئه، لأن النجوم والحساب لا مدخل لها في العبادات. قال: وهل يلزمه الصوم بذلك؟ قال ابن الصباغ: أما الحساب فلا يلزمه بلا خلاف بين أصحابنا، وذكر صاحب "المهذب" أن الوجهين في الوجوب. هذا كلام صاحب "البيان". وقطع صاحب "العدة" بأن الحاسب والمنجم لا يعمل غيرهما بقولهما. وقال المتولي: لا يعمل غير الحاسب بقوله، وهل يلزمه هو الصوم بمعرفة نفسه الحساب؟ فيه وجهان. قال الروياني: من عرف منازل القمر لا يلزمه الصوم به على الأصح. وقال البغوي لا يجوز تقليد المنجم في حسابه، لا في الصوم ولا في الفطر.

قال النووي: فحصل في المسألة خمسة أوجه: أصحها: لا يلزم الحاسب ولا المنجم ولا غيرهما بذلك، لكن يجوز لهما دون غيرهما، ولا يجزئهما عن فرضهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>