يطعمني ربي ويسقيني" وأصل التعبير بأظل يفيد مواصلة العمل نهاراً، وأصل التعبير بأبيت يفيد مواصلة الشيء ليلاً.
قال عنترة:
ولقد أبيت على الطوى وأظله
حتى أنال به كريم المأكل
يقصد أنه قد يعيش ليلاً على الجوع، ويعيش على الجوع كذلك نهاراً ولا يرضى بالأكل الذليل، وكذلك أضحى أصل التعبير بها يفيد المواصلة في الضحى، لكن هذه الألفاظ قد تحمل على مطلق الكون من غير نظر إلى الوقت، ومنه قوله تعالى:{وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً}[النحل: ٥٨]. فإن المراد به مطلق الوقت، ولا اختصاص لذلك بنهار دون دليل، وعلى هذا يسقط الاعتراض على القول بأن الطعام والشراب حقيقة، إذ قال المعترض إن "ظل" لا يكون إلا في النهار، ولا يجوز أن يكون أكلاً حقيقياً في النهار.
هذا وقد اختلف العلماء في معنى "يطعمني ربي ويسقين" هل هو على الحقيقة، وأنه يؤتى بطعام وشراب من الجنة؛ فيأكل ويشرب؟ أو هو كناية عن لازم الطعام والشراب، وهو القوة، على معنى أن الله يعطيه قوة الآكل والشارب، فلا يحصل له جوع ولا عطش؟ أو هو كناية عن قوة التحمل، مع وجود الجوع والعطش والإحساس بهما لكن مع القدرة على تحملهما؟ أو كناية عن الاشتغال عن الجوع والعطش بالاستغراق في المناجاة فلا يحس بهما مع وجودهما؟ أقوالاً يأتي الكلام عنها تفصيلاً في فقه الحديث.
(واصل في رمضان فواصل الناس) في الرواية السادسة "واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول شهر رمضان، فواصل ناس من المسلمين، وفي الرواية الخامسة "فأخذ يواصل رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في آخر الشهر، فأخذ رجال من الصحابة يواصلون، قال النووي: "في أول شهر رمضان"، كذا هو في كل النسخ ببلادنا، وكذا نقله القاضي عن أكثر النسخ، قال: وهو وهم من الراوي، وصوابه "آخر شهر رمضان"، وهو الموافق للحديث الذي قبله؛ ولباقي الأحاديث. اهـ لكن يمكن الجمع بين الحديثين، وطريق الجمع أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم واصل في أول رمضان فواصل بوصاله ناس فنهاهم. وواصل في آخر رمضان فواصل بوصاله ناس آخرون لم يبلغهم النهي الأول، فنهاهم، فلم ينتهوا وأبوا إلا الوصال، فواصل بهم. ففي الرواية السادسة طي وحذف، والعمل بالروايتين على وجه خير من اتهام الراوي بالوهم.
(واصل بهم يوماً ثم يوماً) قال الحافظ ابن حجر: ظاهره أن قدر المواصلة بهم كانت يومين. اهـ أقول: إن ظاهره أن قدر المواصلة ثلاثة أيام، لأنه لا يقال: واصل بهم يوماً إلا إذا وصل يوماً بيوم دون إفطار، فقوله "ثم يوماً" أي ثالثاً.
(ثم رأوا الهلال) "ال" في "الهلال" للعهد، أي هلال شوال.