للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فتحصل من هذا أن فريقاً من العلماء يرى أن من أكل أو شرب ناسياً وهو صائم لا يفسد صومه، وبالتالي لا قضاء عليه، سواء في ذلك صيام رمضان وصيام التطوع، قال بذلك فقهاء الأمصار من الشافعية والحنفية والحنابلة، وحجتهم حديث أبي هريرة -روايتنا الثالثة عشرة- "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه، ففي الحديث أمر بالإتمام، والإتمام ينافي الفساد، وسمي ما بعد الأكل والشرب مضافاً إلى الله تعالى. مسلوب الإضافة إلى الصائم، شأن أداة القصر "إنما" التي تثبت شيئاً لشيء وتنفيه عما عداه، فلو كان الأكل ناسياً مفطراً لأضيف إلى الصائم.

كما استدلوا بما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني بلفظ "فلا قضاء عليه" وهذا نص في مواطن النزاع.

قالوا: ثم هو موافق لقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} [البقرة: ٢٢٥]. فالنسيان ليس من كسب القلب، فلا يؤاخذ عليه.

ثم هو موافق للقياس في إبطال الصلاة بعمد الكلام، لا بنسيانه، فكذلك الصيام.

وذهب الإمام مالك إلى أن من أكل أو شرب ناسياً وهو صائم فسد صومه، قال ابن العربي: لأن الفطر ضد الصوم، والإمساك ركن الصوم، فأشبه ما لو نسي ركعة من الصلاة، فاعتمد القياس. قال: والأصل عند مالك أن خبر الواحد إذا جاء مخالفاً القواعد لم يعمل به، والحديث الأول موافق للقاعدة في رفع الإثم عن الناس فيعمل به، وأما الثاني الذي ينفي القضاء فلا يوافق القاعدة فلا يعمل به وقال الداودي: لعل مالكاً لم يبلغه الحديث، أو أوله على رفع الإثم.

ويحاول المالكية أن يردوا حجة الجمهور، ويقول ابن القصار: إن معنى قوله "فليتم صومه" أي الذي كان دخل فيه، ومعناه فليمسك بقية يومه على سبيل الصوم اللغوي، وليس الشرعي، قال: وليس في الحديث نفي بل هو لم يتعرض للقضاء، وقوله "فإنما أطعمه الله وسقاه" تحمل على سقوط المؤاخذة والإثم والكفارة وإثبات عذره، وبقاء نيته التي بيتها.

ويعتل بعضهم بأنه لم يقع في الحديث تعيين رمضان، فيحمل على صوم التطوع: فلا قضاء فيه، أما صوم رمضان فيجب فيه القضاء.

ولما رد عليهم بحديث الدارقطني، وفيه "من أفطر في شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة" قالوا: حديث فرد، ورد عليهم الحافظ ابن حجر بأن أقل درجاته أن يكون حسناً، فيصلح للاحتجاج به، وقد وقع الاحتجاج في كثير من المسائل بما هو دونه في القوة. قال: وأما القياس الذي ذكره ابن العربي فهو في مقابلة النص، فلا يقبل، ورده للحديث مع صحته بكونه خبر واحد خالف القاعدة ليس بمسلم، لأنه قاعدة مستقلة بالصيام، فمن عارضه بالقياس على الصلاة أدخل قاعدة في قاعدة، ولو فتح باب رد الأحاديث الصحيحة بمثل هذا لما بقي من الحديث إلا القليل. اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>