كما كان يصف خلقهن للصحابة ليقوموا اعوجاجهن، وينصحوهن باعتبارهم قوامين عليهن، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الكسوف قال لأصحابه: أريت النار في عرض هذا الحائط، فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن. قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط.
والحديث الشريف في مجمله يدعو النساء إلى التخلي عن بذاءة اللسان ونكران الجميل، والتحلي بالصدقة والاستغفار لعل الحسنات يذهبن السيئات.
ويكشف لهن أن الله بحكمته قد جعل فرص عبادة النساء أقل من فرص عبادة الرجال، وأن مجال إكثار الحسنات لدى الرجال أفسح من مجاله لدى النساء، فعليهن أن يعوضن ما فقدن بالطبيعة، وأن يحسن استغلال ما هيئ لهن ليكن من أهل الجنة، وينجون من النار.
-[المباحث العربية]-
(يا معشر النساء) المعشر الجماعة الذين أمرهم واحد، لهم صفة واحدة مشتركة بينهم تجمعهم، فالإنس معشر، والجن معشر، والأنبياء معشر، والنساء معشر، ونقل عن ثعلب أنه مخصوص بالرجال، وهذا الحديث يرد عليه.
(فإني رأيتكن أكثر أهل النار) الفاء للتعليل، و"رأى" إن كانت علمية تتعدى إلى مفعولين و"أكثر" مفعولها الثاني، وإن كانت بصرية تتعدى إلى مفعول واحد و"أكثر" منصوب على الحال، ولا يضر إضافته إلى معرفة بناء على أن "أفعل" لا يتعرف بالإضافة.
والخطاب في "رأيتكن" ليس المقصود به سامعات الحديث، حتى يحكم عليهن بدخول النار، فقد يكن كلهن من أهل الجنة، وإنما المقصود خطاب المنادى "معشر النساء" فكأنه قال: فإني رأيت معشر النساء أكثر أهل النار والمرئي في النار من النساء من اتصف بالصفات الذميمة، يؤيد ذلك ما وقع في حديث جابر، ولفظه "وأكثر من رأيت فيها من النساء اللاتي إن اؤتمن أفشين، وإن سئلن بخلن، وإن سألن ألحفن، وإن أعطين لم يشكرن".
(فقالت امرأة منهن جزلة) بفتح الجيم وسكون الزاي، أي ذات عقل ورأي و"منهن" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة "امرأة" و"جزلة" صفة أخرى، وكان الأولى في الأسلوب أن تقدم الصفة المفردة على شبه الجملة فيقال: فقالت امرأة جزلة منهن.
(وما لنا أكثر أهل النار؟ )"وما لنا" مبتدأ وخبر، والواو للاستئناف و"أكثر" منصوب على الحال المقدرة، والتقدير: وأي شيء حصل لنا مقدرا لنا الكثرة في النار؟
(تكثرن اللعن) اللعن في اللغة الإبعاد والطرد، وفي الشرع الإبعاد من رحمة الله، والمقصود الإكثار من ألفاظ الدعاء على الغير بقصد أو بغير قصد، بسبب أو بغير سبب كاف.