وعن سعيد بن جبير: لو ترك الميقات دون إحرام لم يصح حجه.
وقال عطاء والنخعي: لو ترك الميقات دون إحرام صح حجه، ولا شيء عليه.
هذا بالنسبة لتجاوز الميقات دون إحرام، أما الإحرام قبل بلوغ الميقات، فقد نقل ابن المنذر وغيره بالإجماع على الجواز. قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر، فقد نقل عن إسحق وداود وغيرهما عدم الجواز، وهو ظاهر صنيع البخاري حيث قال:[باب ميقات أهل المدينة، ولا يهلون قبل ذي الحليفة] فهو ظاهر في أنه لا يجيز الإحرام بالحج والعمرة من قبل الميقات، وهو ظاهر جواب ابن عمر [حين سئل: من أين يجوز أن أعتمر؟ قال:"فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأهل نجد قرناً ولأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة" أخرجه البخاري] ويؤيده القياس على الميقات الزماني، فقد أجمعوا على أنه لا يجوز التقدم عليه وفرق الجمهور بين الزماني والمكاني، فلم يجيزوا التقدم على الزماني، وأجازوا في المكاني. قال: وذهبت طائفة كالحنفية وبعض الشافعية إلى ترجيح التقدم، وقال مالك: يكره.
ويميل الحافظ ابن حجر إلى عدم الإحرام قبل الميقات فيقول: لم ينقل عن أحد ممن حج مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحرم قبل ذي الحليفة، ولولا تعين الميقات لبادروا إليه، لأنه يكون أشق فيكون أكثر أجراً. اهـ
٢ - استدل بقوله في الرواية الأولى "فهن لهن" أن الشامي مثلاً ميقاته الجحفة، وإن مر على المدينة، فله أن يمر بذي الحليفة دون إحرام حتى يحاذي أو يصل الجحفة، وإن كان الأفضل أن يحرم في هذه الحالة من ذي الحليفة، وبه قال الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية، وهو المعروف عند المالكية، وأطلق النووي اتفاق الشافعية على أنه يلزمه أن يحرم من ميقات المدينة، ولا يجوز له تأخيره إلى ميقات الشام الذي هو الجحفة، فإن أخر أساء ولزمه دم. اهـ
والمعنى عند الشافعية: هن لهن إذا لم يمروا بميقات آخر مريدين الحج أو العمرة. بدليل الجملة الآتية.
٣ - يستدل الشافعية بقوله "ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ... " على أن الشامي إذا مر بميقات أهل المدينة لزمه الإحرام منه، إذ المعنى "هن لهن"، أو "وهن لمن أتى عليهن من غير أهلهن" سواء أكان له ميقات معين، أو لم يكن له ميقات معين، ويفسره الآخرون بأن المعنى: هن لأهل هذه البلاد مطلقاً، وهن لمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن لا ميقات له.
أما من سلك طريقاً لا ميقات فيه من بر أو بحر فميقاته إذا حاذى ميقاته الأصلي كالمصري مثلاً يمر ببدر، وهي تحاذي ذا الحليفة، فليس عليه أن يحرم منها، بل له التأخير حتى يحاذي الجحفة، فإن كان الطريق لا يحاذي ميقاته الأصلي ويحاذي ميقاتاً آخر أو ميقاتين أحرم عند محاذاة أقربها إليه، فإن جهل المحاذاة أحرم قبل مكة بنحو مائة وعشرين كيلو متراً. ذكره النووي في المجموع.