للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤ - استدل بقوله في الرواية الأولى والثانية "ممن أراد الحج والعمرة" على أنه يجوز دخول مكة بغير إحرام.

قال النووي: ومن لا يريد حجاً ولا عمرة لا يلزمه الإحرام لدخول مكة على الصحيح من مذهبنا، سواء دخل لحاجة تتكرر، كحطاب، وحشاش وصياد، ونحوهم، أو لا تتكرر، كتجارة وزيارة ونحوهما، وللشافعي قول ضعيف أنه يجب الإحرام بحج أو عمرة إن دخل مكة أو غيرها من الحرم مطلقاً. اهـ

وتتمثل هذه المسألة في صور:

الأولى: أن يمر بالميقات من لا يريد حجاً ولا عمرة، ولا يريد الحرم ولا يدخله، فهذا لا يجب عليه الإحرام بحج ولا بعمرة عند الجمهور، وقال أبو حنيفة: من أتى على ميقات من المواقيت لا يتجاوزه غير محرم، سواء قصد دخول مكة أو لم يقصد.

الثانية: أن يمر بالميقات من لا يريد حجاً ولا عمرة، ولا يريد الحرم، بل يريد حاجة دونه، لكنه بعد مجاوزته أراد الحج أو العمرة، فالجمهور على أنه يلزمه الإحرام من موضعه الذي بدا فيه له هذا الرأي ولا دم عليه، فإن جاوزه بلا إحرام، ثم أحرم أثم ولزمه دم، ولا يكلف الرجوع إلى الميقات، وقال أحمد وإسحاق يلزمه الرجوع إلى الميقات.

الثالثة: أن يمر بالميقات من لا يريد حجاً ولا عمرة، وهو يريد دخول مكة لحاجة لا تتكرر، كزيارة صديق أو شراء، أو بيع لا يتكرر، وهذا يجب عليه الإحرام بحج أو بعمرة عند النووي وأبي حنيفة ومالك والشافعي في المشهور عنه وأحمد، لأن مكة حرام، فلا يجوز لأحد أن يدخلها بغير إحرام، وقال الزهري، والحسن البصري، والشافعي في قول، ومالك في رواية، وداود وأصحابه من الظاهرية: لا بأس بدخول مكة بغير إحرام، وإليه ذهب البخاري أيضاً، وصرح به النووي كما سبق، وظاهر قوله "ممن أراد الحج والعمرة" يؤيدهم.

واستدلوا بما رواه مسلم من حديث جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء"، وبما رواه البخاري من حديث أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر".

ويجيب الأولون بأن دخوله صلى الله عليه وسلم مكة كان وهي حلال، ثم عادت حراماً إلى يوم القيامة، فلا يجوز دخولها لأحد بغير إحرام.

الرابعة: أن يمر بالميقات من لا يريد حجاً ولا عمرة، وهو يريد مكة لحاجة تتكرر كالحطاب والصياد وناقل الماء وموصل الزاد وموزع الطعام والأمتعة على التجار، ومن كانت له ضيعة أو عمل يومي، فهذا لا يجب عليه الإحرام عند الجماهير، لأنه لو وجب عليه الإحرام لكان في جميع زمنه محرماً. والله أعلم.

٥ - واستدل به على أن الحج فرض على التراخي، وهو مذهب الشافعي وطائفة، وقال أبو حنيفة ومالك وآخرون: هو على الفور، وسيأتي المبحث بالتفصيل عند باب: فرض الحج مرة في العمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>