(يهل ملبداً) أي يهل في حال كونه ملبداً، والتلبيد: ضفر شعر الرأس، أو لصقه بالصمغ أو الخطمي وشبهها مما يضم الشعر، ويلزق بعضه ببعض، ويمنعه التمعط والتفرق.
(قد. قد) قال القاضي: روى بإسكان الدال، وبكسرها مع التنوين ومعناه: كفاكم هذا الكلام فاقتصروا عليه، ولا تزيدوا، وهنا انتهى كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عاد الراوي إلى حكاية كلام المشركين، فقال:"إلا شريكاً هو لك ... إلخ" ومعناه أنهم كانوا يقولون: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم: اقتصروا على قولكم: لبيك لا شريك لك، ولا تزيدوا ما بعدها.
-[فقه الحديث]-
قال النووي: أجمع المسلمون على أن التلبية مشروعة، ثم اختلفوا في إيجابها، فقال الشافعي وآخرون: هي سنة، ليست بشرط لصحة الحج، ولا واجبة، فلو تركها صح حجه ولا دم عليه، لكن فاتته الفضيلة. قال: وقال بعض أصحابنا: هي واجبة تجبر بالدم، ويصح الحج بدونها، وقال بعض أصحابنا هي شرط لصحة الإحرام. ولا يصح الحج ولا الإحرام إلا بها. وقال مالك: ليست بواجبة لكن لو تركها لزمه دم وصح حجه، قال الشافعي ومالك: ينعقد الحج بالنية بالقلب من غير تلفظ، كما ينعقد الصوم بالنية فقط، وقال أبو حنيفة: لا ينعقد إلا بانضمام التلبية، أو سوق الهدي مع النية قال أبو حنيفة: ويجزئ عن التلبية ما في معناها من التسبيح والتهليل وسائر الأذكار، كما قال هو: إن التسبيح وغيره يجزئ في الإحرام بالصلاة عن التكبير.
واعترض الحافظ ابن حجر على النووي، فقال: أغرب النووي فحكى عن مالك أنها سنة ويجب بتركها دم. ولا يعرف ذلك عندهم إلا أن ابن الجلاب قال: التلبية في الحج مسنونة غير مفروضة، وقال ابن التين: يريد أنها ليست من أركان الحج، وإلا فهي واجبة ولذلك يجب بتركها الدم، ولو لم تكن واجبة لم يجب.
ثم قال النووي: قال أصحابنا: ويستحب رفع الصوت بالتلبية، بحيث لا يشق عليه وقد روى مالك في الموطأ وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم "جاءني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي يرفعون أصواتهم بالإهلال" والمرأة ليس لها الرفع، لأنه يخاف الفتنة بصوتها. ويستحب الإكثار منها، لا سيما عند تغاير الأحوال، كإقبال الليل والنهار، والصعود والهبوط، واجتماع الرفاق والقيام والقعود، والركوب والنزول، وأدبار الصلوات، وفي المساجد كلها والأصح أنه لا يلبي في الطواف والسعي، لأن لهما أذكاراً مخصوصة.
ويستحب أن يكرر التلبية كل مرة ثلاث مرات فأكثر، ويواليها، ولا يقطعها بكلام فإن سلم عليه رد السلام باللفظ، ويكره السلام عليه في هذه الحال وإذا لبى صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل الله تعالى ما شاء لنفسه، ولمن أحبه وللمسلمين، وأفضله سؤال الرضوان والجنة، والاستعاذة من النار، وإذا رأى شيئاً يعجبه قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة.