للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأمر، لا ترى أنه يصح في هذا الزمن إلا الحج، كما أوضحت هي ذلك في الروايات التي سقناها، فلما حاضت عند سرف خافت على ضياع حجتها فطمأنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا في الرواية التاسعة والحادية عشرة.

فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الذين ليس معهم هدي أن يجعلوا حجتهم عمرة وكانت لا هدي معها أحرمت بعمرة، كما جاء في الرواية الرابعة والسابعة من قولها "وكنت فيمن أهل بالعمرة".

لكن يعكر على هذا ما جاء في الرواية الثالثة عشرة من قولها "فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: قلت: سمعت كلامك مع أصحابك، فسمعت بالعمرة؟ قال: ومالك؟ قلت: لا أصلي [أي حائض] قال: فلا يضرك، فكوني في حجك فعسى الله أن يرزقكيها" فظاهر هذا أنها لم تجعل حجها الأول عمرة.

ويصفو هذا التعكير بحمل ما جاء في الرواية الثالثة عشرة على حال عائشة رضي الله عنها، وهي في مكة، فقد حولت إحرامها الأول بالحج إلى عمرة، ووصلت مكة مع من حولوا حجهم إلى عمرة، لكنهم طافوا وسعوا وتحللوا، أما هي فلم تطف ولم تسع ولم تتحلل حتى جاء يوم التروية فأحرموا بالحج فهي حتى ذلك الحين لم تعتمر، ولا تدري ماذا تفعل في إحرامها، ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال ما يبكيك؟ قالت سمعت كلامك مع أصحابك، وأمرك لهم بأن يحرموا بالحج، وسمعت بالعمرة التي اعتمروها، ولم أعتمرها؟ قال: لم لم تعتمري؟ قالت: لم أزل حائضاً لا أصلي ولا أطوف. قال: أو ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة؟ [هكذا لفظ الرواية السابعة عشرة] قالت: قلت: لا.

وتوضح الرواية الأولى هذه المحادثة، وتصور هذه الحالة، فتقول على لسان عائشة رضي الله عنها "فقدمت مكة وأنا حائض، لم أطف بالبيت؛ ولا بين الصفا والمروة [لأن شرط السعي بين الصفا والمروة أن يسبق بطواف] فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انقضي رأسك

-[بالنون والقاف، أي فكي ضفائر شعرك، قال الكرماني ويجوز بالفاء بدل القاف إن صحت الرواية، فهما بمعنى واحد -وامتشطي- أي واغتسلي للإحرام بالحج قال النووي: ولا يلزم منه إبطال العمرة، لأن نقض الرأس والامتشاط جائزان عندنا في الإحرام، بحيث لا ينتف شعراً، ولكن يكره الامتشاط إلا لعذر، وقيل ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الامتشاط بالمشط، بل تسريح الشعر بالأصابع للغسل، لإحرامها بالحج، إذا لا يصح الغسل إلا بإيصال الماء إلى جميع شعرها، ويلزم من هذا نقضه، لا سيما إن كانت لبدت رأسها. اهـ] وأهلي بالحج، ودعي العمرة".

وتقول في الرواية الثانية "فلم أزل حائضاً حتى كان يوم عرفة، ولم أهلل إلا بعمرة، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنقض رأسي، وأمتشط، وأهل بحج، وأترك العمرة" أي أترك أفعالها من طواف وسعي وتقصير مع استصحاب إحرامها، لتكون قارنة، فتدخل أفعالها في أفعال الحج.

وفي الرواية الثالثة تقول "فلما دخلت ليلة عرفة [أي يوم التروية] قلت: يا رسول الله، إني كنت أهللت بعمرة، فكيف أصنع بحجتي؟ قال: انقضي رأسك، وامتشطي وأمسكي عن العمرة [أي أوقفي أعمالها] وأهلي بالحج".

<<  <  ج: ص:  >  >>