للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد أجمع العلماء على جواز العمرة قبل الحج، سواء حج في سنته أم لا، وكذا الحج قبل العمرة، واحتجوا له بحديث ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل أن يحج" رواه البخاري، وبالأحاديث الصحيحة المشهورة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر قبل حجته، وكان أصحابه رضي الله عنه في حجة الوداع أقساماً، منهم من اعتمر قبل الحج، ومنهم من حج قبل العمرة.

قال النووي: اعلم أن أحاديث الباب متظاهرة على جواز إفراد الحج عن العمرة وجواز التمتع، وجواز القران، وقد أجمع العلماء على جواز الأنواع الثلاثة [يعني الإفراد والتمتع والقران] لما روت عائشة في الصحيحين قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنا من أهل بالحج، ومنا من أهل بالعمرة، ومنا من أهل بالحج والعمرة".

قال: وأما النهي الوارد عن عمر وعثمان -رضي الله عنهما- فسنوضح معناه في موضعه إن شاء الله تعالى. اهـ

أما الإفراد: فصورته الأصلية أن يحرم بالحج وحده في أشهره، ثم يأتي بأفعاله كلها، ثم يعتمر إذا شاء. ولا خلاف بين العلماء في جواز هذه الصورة، وإنما خلافهم -وسيأتي- في كونها أفضل صور الحج، أو هناك من الصور ما يفضلها.

وأما التمتع: فصورته الأصلية أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ من أعمالها، ويتحلل منها، ثم يحرم بالحج في نفس العام. وهذه الصورة جائزة بنص القرآن الكريم، قال تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} وسميت هذه الصورة تمتعاً لأنه يحل لصاحبها بعد التحلل من العمرة، وقبل أن يحرم بالحج التمتع بجميع محظورات الإحرام.

قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بالآية هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج، قال: ومن التمتع أيضاً القران، لأنه تمتع بسقوط سفر للنسك الآخر من بلده. اهـ وإطلاق التمتع على القران إطلاق لغوي، وسنتكلم عنه كوجه مستقل من وجوه الإحرام.

وبعضهم يطلق التمتع على فسخ الحج ثم التحلل منه بعمل عمرة، فيصير بعد العمرة متمتعاً، وسنتكلم عنه كوجه من وجوه الإحرام.

ولهذه الإطلاقات المتغايرة جاءت تعريفات التمتع مختلفة، فقيل: التمتع الجمع بين الحج والعمرة يتحلل بينهما إن لم يكن سائقاً الهدي، وقيل: هو ضم العمرة إلى الحج، وقيل: أن يدخل الرجل مكة في أشهر الحج بعمرة ثم يقيم فيها حتى يحج، وقد خرج من إحرامه وتمتع بالنساء والطيب، وقيل: التمتع الترفق بأداء النسكين على وجه الصحة في سفرة واحدة من غير أن يلم بأهله إلماماً صحيحاً، ولهذا لم يتحقق من المكي.

والذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوداع هو فسخ للحج الذي أحرموا به أولاً وحده وتحويله إلى عمرة، وبعبارة أخرى فسخ للحج والتحلل منه بعمل عمرة، ثم تمتع بين التحلل من العمرة والإحرام بالحج، ثم إحرام بالحج يوم التروية، كان هذا الأمر لمن لم يكن معه هدي، فهو من حيث

<<  <  ج: ص:  >  >>