الإحرام بالعمرة في أشهر الحج والإتيان بأعمالها والتحلل منها، ثم الإحرام بالحج في نفس العام تمتع شرعي، تصدق عليه الآية الكريمة، لا خلاف في ذلك.
أما من لم يكن معه هدي فقد أمره صلى الله عليه وسلم أن يستمر على إحرامه بالحج، لا يتحلل حتى يأتي بأعمال الحج، وينحر هديه. لكن هل يدخل العمرة على الحج؟ فيكون قارناً؟ أو لا يدخل العمرة على الحج؟ فيظل مفرداً؟ ظاهر حديث عائشة السابق أن بعضهم كان قارناً، وبعضهم ظل مفرداً، فهي تقول:"فمنا من أهل بالحج" أي وظل عليه ولم يغير -"ومنا من أهل بعمرة"- وفسخ الحج وتحلل، ثم أحرم بالحج فكان متمتعاً وذاك الذي لم يسق الهدي -"ومنا من أهل بالحج والعمرة"- أي أدخل العمرة على الحج، فكان قارناً.
ويمكن فهم الأحاديث التي ظاهرها التعارض على هذا النحو، وأن بعض الرواة تحدث عن منظر من مناظر هذا الحدث، فظن أنه يتحدث عن منظر آخر، فتوهم التعارض بين الروايات، وقد استعرضناها مع محاولة لرفع التعارض في أول المباحث العربية.
كما استعرضنا إحرام عائشة -رضي الله عنها- على وجه الاستقلال، لأنها في حجة الوداع كان لها وضع خاص.
وإذا كان الأمر كذلك، وأن التمتع جائز كوجه من وجوه الإحرام، فكيف منعه عمر وعثمان ومعهما بعض الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؟ وما موقف فقهاء المسلمين من هذا المنع؟ .
ابتداء نجمع ما ورد في مسلم بخصوص هذه المسألة من روايات.
ففي الرواية الثالثة والثلاثين عن أبي نضرة، قال:"كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها. قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة لله، كما أمركم الله، وأبتوا نكاح هذه النساء، فلن أوتى برجل نكح إلى أجل إلا رجمته بالحجارة" وفي رواية قال: "فافصلوا حجكم من عمرتكم، فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم".
وفي الرواية الواحدة والأربعين يقول أبو موسى الأشعري، بعد أن حكى تمتعه في حجة الوداع، يقول:"فكنت أفتي به الناس -أي بجواز التمتع- حتى كان في خلافة عمر رضي الله عنه فقال له رجل: يا أبا موسى. رويدك بعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك، فقال: أيها الناس. من كنا أفتيناه فتيا فليتئد، فإن أمير المؤمنين قادم عليكم، فبه فائتموا. قال: فقدم عمر رضي الله عنه فذكرت ذلك له، فقال: إن نأخذ بكتاب الله فإن كتاب الله يأمر بالتمام، وإن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله" وقريب من هذا في الرواية الثانية والأربعين وفيها "فلما قدم قلت: يا أمير المؤمنين، ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك؟ ".
وفي الرواية الرابعة والأربعين. قال عمر لأبي موسى رضي الله عنهما "قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الآراك، ثم يروحون في الحج تقطر رءوسهم".