أربع عمر. إحداهن في رجب. فكرهنا أن نكذبه ونرد عليه. وسمعنا استنان عائشة في الحجرة. فقال عروة: ألا تسمعين، يا أم المؤمنين، إلى ما يقول أبو عبد الرحمن؟ فقالت: وما يقول؟ قال يقول: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في رجب. فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن. ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو معه. وما اعتمر في رجب قط.
-[المعنى العام]-
قبل تشريع الحج والعمرة في الإسلام كان العرب يحجون ويعتمرون حسب مناسك مأثورة منذ عهد إبراهيم عليه السلام، ومنذ أن أذن في الناس بالحج، بعد بنائه البيت الحرام، ورفعه لقواعده.
ولقد أثر أن الرسول صلى الله عليه وسلم حج مرة بمكة قبل أن يهاجر، وقيل: مرتين: ولعله كان يعتمر قبل الهجرة دون أن يعلم أو يحصي اعتماره.
وفي السنوات الست الأولى من الهجرة لم يكن بوسعه صلى الله عليه وسلم، ولا بوسع كبار الصحابة المشهورين أمثال أبي بكر وعمر أن يدخلوا مكة، لكن العامة والمغمورين غير المعروفين بإسلامهم وقتالهم الشرك ربما حجوا أو اعتمروا على المناسك المعروفة عند العرب.
وشرع الحج والعمرة في السنة السادسة للهجرة على الصحيح، ورسمت مناسكهما الأساسية، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحو ألف وخمسمائة من أصحابه معتمرين مقلدين الهدي محرمين، حتى وصلوا الحديبية، فصدهم مشركو مكة، وعقد بين الفريقين صلح الحديبية، على أن يعودوا إلى المدينة دون دخول مكة، ثم يرجعوا بعد عام للعمرة دون سلاح، كان ذلك في ذي القعدة سنة ست من الهجرة، وحسبت عمرة باعتبار الإحرام ويتحقق الأجر إن شاء الله.
وفي ذي القعدة من العام القابل دخلوا المسجد الحرام آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين لا يخافون، وكانت العمرة الثانية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة سنة سبع. وفي سنة ثمان من الهجرة فتح الله عليه مكة، فلما أمن أطرافها وأمن من حولها من المشركين، أحرم بالعمرة هو وأصحابه من الجعرانة في ذي القعدة سنة ثمان من الهجرة، فكانت العمرة الثالثة وفي السنة التاسعة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ليحج بالمسلمين، وفي السنة العاشرة قام صلى الله عليه وسلم بحجة الوداع، وعدت عمرتها العمرة الرابعة له صلى الله عليه وسلم، واشتبه الأمر على الفقيه المحدث الزاهد عبد الله بن عمر فظن أن إحدى هذه العمرات كانت في رجب، فحدث بذلك بعض الصحابة والتابعين، وكان فيمن حدثهم بذلك عروة بن الزبير ومجاهد، وما كان لهما أن يكذباه، أو يرداه لعظم قدره، فانتهزا فرصة وجوده بجوار حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وسألاه فأجاب، فسألاها، فصححت له ما اشتبه عليه بكل أدب وتقدير.