(صدقوا وكذبوا) يعني صدقوا في أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وكذبوا في قولهم: إنه سنة مقصودة متأكدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعله سنة مطلوبة دائماً على تكرر السنين، وإنما أمر به تلك السنة لإظهار القوة عند الكفار، وقد زال ذلك المعنى. هذا معنى كلام ابن عباس رضي الله عنهما.
(لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال) قال النووي: هو في معظم النسخ "الهزل" بضم الهاء وإسكان الزاي، قال القاضي عياض: وهو وهم، والصواب "الهزال" بضم الهاء وزيادة الألف. قال النووي: وللأول وجه وهو أن يكون بفتح الهاء، لأن الهزل بفتح الهاء مصدر هزلته هزلاً، كضربته ضرباً، وتقديره: لا يستطيعون يطوفون، لأن الله هزلهم. والله أعلم.
(حتى خرج العواتق من البيوت) جمع عاتق، وهي البكر البالغة، أو المقاربة للبلوغ، وقيل: التي تتزوج سميت بذلك لأنها عتقت من استخدام أبويها وابتذالها في الخروج والتصرف التي تفعله الطفلة الصغيرة. والمقصود من العبارة المبالغة في خروج الكل، حتى من لا تخرج من النساء عادة خرجت.
(أراني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) بضم الهمزة أي أظنني، ولم يجزم بذلك خشية أن يكون قد رأى غيره فظنه هو من الزحام.
(إنهم كانوا لا يدعون عنه، ولا يكرهون) "لا يدعون" بضم الياء وفتح الدال وتشديد العين، أي لا يدفعون، ومنه قوله تعالى {يوم يدعون إلى نار جهنم دعا} [الطور: ١٣]. "ولا يكرهون" بضم الياء وسكون الكاف وفتح الراء، أي لا يكرههم أحد على البعد عنه، قال النووي: وفي بعض الأصول من صحيح مسلم "ولا يكهرون" بتقديم الهاء على الراء من الكهر، وهو الانتهار.
(وهنتهم) بفتح الهاء مخففة، أي أضعفتهم، يقال: وهنته الحمى، وأوهنته لغتان.
(حمى يثرب) هذا هو الاسم الذي كان للمدينة في الجاهلية، وسميت في الإسلام "المدينة" و"طيبة" و"طابة" وسيأتي بسط ذلك في آخر كتاب الحج، حيث ذكر مسلم أحاديث المدينة وتسميتها إن شاء الله تعالى.
(فجلسوا مما يلي الحجر، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا) ضمير "جلسوا" للمشركين، وضمير "أمرهم" للمسلمين. أي فجلس المشركون بجوار حجر إسماعيل ينظرون إلى المسلمين في طوافهم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يرملوا ثلاثة أشواط.
(ويمشوا ما بين الركنين) ما بين الركنين اليمانيين المقابلين لحجر إسماعيل، فلا يرملوا، بل يستريحوا من الرمل ويمشوا على عادتهم على مهل، حيث لا يراهم المشركون. وسيأتي تحقيق ذلك في فقه الحديث.
(إلا الإبقاء عليهم) بكسر الهمزة، فباء ساكنة بعدها قاف، ثم مد، أي الرفق بهم.