أبوان إذا قام به غيره. وبر الوالدين واجب عيني، فصح توقف هذا الجهاد على إذنهما. على أن هذا الجهاد يحرم الأبوين من البر زمنا قد يطول، بخلاف عصيان بعض أوامرهما لمصلحته، فإنه لا يحرمهما من البر والإحسان، ولا من طاعتهما في تعليماتهما الأخرى. وستأتي تتمة لهذا البحث في شرح الحديث الذي يلي الحديث الآتي.
أما عدم ذكر الإيمان بالله في الحديث فقد أجاب عنه ابن دقيق العيد حيث قال: الأعمال في هذا الحديث محمولة على البدنية، وأراد بذلك الاحتراز عن الإيمان لأنه من أعمال القلوب، فلا تعارض بين هذا الحديث وبين حديث أبي هريرة السابق.
أما تقديم الصلاة على البر فلأن الصلاة شكر لله والبر شكر للوالدين، وشكر الله مقدم على شكر الوالدين، موافقة لقوله تعالى: {أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير} [لقمان: ١٤].
وأما تقديم البر على الجهاد فلأن المراد من الجهاد هنا غير فرض العين، وهو يتوقف على إذن الوالدين. بل يقدم بر الوالدين عليه، فقد روى النسائي أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله .. أردت الغزو وجئت لأستشيرك. فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم قال: الزمها" ولمسلم عن عبد الله بن عمرو في نحو هذه القصة "ارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما" ولأبي داود عن عبد الله بن عمرو" ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما" ولأبي داود أيضا "ارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما".
قال جمهور العلماء: يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما، بشرط أن يكونا مسلمين، لأن برهما فرض عين عليه، والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن.
قال الحافظ ابن حجر بعد أن ساق هذه الأحاديث: واستدل بهذا على تحريم السفر بغير إذنهما، لأن الجهاد إذا منع مع فضيلته فالسفر المباح أولى. نعم إن كان سفره لتعلم فرض كفاية ففيه خلاف. اهـ.
قال الطبري: إنما خص صلى الله عليه وسلم هذه الثلاثة بالذكر لأنها عنوان على ما سواها من الطاعات، فإن من ضيع الصلاة المفروضة حتى يخرج وقتها في غير عذر مع خفة مؤونتها عليه، وعظم فضلها، فهو لما سواها أضيع، ومن لم يبر والديه مع وفور حقهما عليه، كان لغيرهما أقل برا، ومن ترك جهاد الكفار مع شدة عداوتهم للدين، كان لجهاد غيرهم من الفساق أترك.
فظهر أن الثلاثة تجتمع في أن من حافظ عليها كان لما سواها أحفظ، ومن ضيعها كان لما سواها أضيع. اهـ.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
١ - أن أعمال البر يفضل بعضها بعضا.
٢ - جواز السؤال عن مسائل متعددة في وقت واحد.