٢٧٢١ - أخبرنا ابن جريج بهذا الإسناد مثله. وقال: إلا طوافاً واحداً. طوافه الأول.
-[المعنى العام]-
إن أكثر شعائر الحج تمثل وتذكر بمنسك من مناسك الله السابقة وبخاصة في شريعة إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، فتقديس البيت الحرام بالطواف وزمزم والحجر الأسود وعرفة ورمي الجمرات، أكثره موروث للعرب من ملة أبيهم إبراهيم عليه السلام أقره الإسلام أو أضفى عليه مسوح العبادة الصحيحة.
ومن هذه الموروثات السعي بين الصفا والمروة، فهو يذكرنا بأمنا هاجر يوم نفد ما معها من ماء وعطش ابنها وطفلها إسماعيل في صحراء لا ماء فيها، صعدت الصفا، لعلها ترى طيراً يحوم على ماء، أو إنساناً بعيداً تجري وراءه ليغيثها وابنها، وهبطت إلى الوادي لتصعد إلى جبل المروة ترجو الإنقاذ من الهلاك، فعلت ذلك سبع مرات، فإذا برحمة الله وفضله تفجر عين زمزم تحت أقدام الطفل إسماعيل، وكانت أساس العيش في واد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم، وكانت أساس الإقامة ثم التحضر في مكة المكرمة، وبقي السعي بين الصفا والمروة منسكاً عربياً، لكنه أصابته نوبة الشرك، وعبادة الأصنام، فوضع على الصفا صنم يمثل رجلا اسمه إساف، ونصب على المروة صنم يمثل امرأة اسمها نائلة، والعجيب أن في كتب أهل الكتاب أن "إسافاً ونائلة" كان رجلاً وامرأة زنيا في داخل الكعبة، فمسخهما الله تعالى إلى صنمين، حجرين، تمثالين، فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر الناس بهما، وبعاقبة هذه الفاحشة الكبرى، العجيب أن تتحول هذه الحقيقة في غياهب الزمان إلى تقديس لهذين الصنمين وعبادة لهما، والذبح والتقرب إليهما ودعائهما ليقربا إلى الله زلفى. وجاء الإسلام، وفي فتح مكة حطمت الأصنام، وحطم إساف ونائلة، وتطهرت عقيدة المسلمين من الأوثان وبقيت شعيرة السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة في الإسلام، وتحرج المسلمون من سعي كانوا يفعلونه في الجاهلية بين صنمين، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا نكره السعي بين الصفا والمروة، ونتحرج منه لما كنا عليه في الجاهلية، فأنزل الله تعالى:{إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم}[البقرة: ١٥٨].
واجتهد المسلمون في فهم الآية، هل هي ترفع الحرج ليكون السعي مندوباً؟ أو ليكون واجباً؟ أو ليكون ركناً فرضاً، وكانت هذه الأحاديث فكراً إسلامياً عميقاً دقيقاً يشهد لعائشة رضي الله عنها وللمسلمين بالتفقه في الدين.
-[المباحث العربية]-
(إني لأظن رجلاً لو لم يطف بين الصفا والمروة ما ضره) أي ما حصل لحجه أو عمرته