"عليكم بالسكينة"، وفي رواية أبي داود "أيها الناس، عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيجاف"[أي ليس بالإسراع] ويستمد عمر بن عبد العزيز حين خطب بعرفة يستمد هذا المعنى فيقول: أيها الناس، ليس السابق من سبق بعيره وفرسه، ولكن السابق من غفر له. قال الراوي "فما رأيت ناقة رسول الله رافعة يدها، حتى أتى جمعاً" قال الحافظ ابن حجر: في هذا كيفية السير في الدفع من عرفة إلى المزدلفة، لأجل الاستعجال للصلاة لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء بالمزدلفة، فيجمع بين المصلحتين، بين الوقار والسكينة عند الزحمة، وبين الإسراع عند عدم الزحام.
أما ماذا فعل صلى الله عليه وسلم في الطريق؟ فتحدثنا الرواية الأولى والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغ الشعب الأيسر قبل المزدلفة أناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته، ثم مال إلى مكان منخفض، فانتحى هناك، فبال، واستجمر، وعاد حيث ناقته، فطلب من أسامة ماء الوضوء، فصب عليه فتوضأ وضوءاً خفيفاً، فسأله أسامة: هل تصلي المغرب؟ قال: لا. الصلاة أمامك بالمزدلفة، وركب حتى أتى المزدلفة.
قال الحافظ ابن حجر: هذا النزول كان لقضاء الحاجة، وليس من المناسك، لكن ابن عمر -رضي الله عنهما- وقد عرف بشدة التحري والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وصل إلى هذا المكان نزل، وقضى حاجته، وتوضأ وضوءاً خفيفاً، ثم لا يصلي حتى يصل المزدلفة.
٢ - جمع المغرب والعشاء بالمزدلفة: تحدثنا الرواية التاسعة والثانية عشرة أنه صلى الله عليه وسلم لما جاء المزدلفة نزل، فتوضأ، فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة، ونزل الناس عن رواحلهم وأناخوها، لكن لم يحلوا أمتعتهم، وصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم علموا أنهم سيبيتون بالمزدلفة، فعادوا إلى رواحلهم، فحلوا أمتعتهم وفرشهم، ثم أقيمت الصلاة للعشاء، فصلوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وظاهر الروايتين السابقتين أن الصلاتين كانتا بإقامتين "أقيمت الصلاة فصلى المغرب. ثم أقيمت العشاء فصلاها". "فأقام المغرب. ولم يحلوا حتى أقام العشاء الآخرة".
لكن الرواية المتممة للعشرين والرواية الواحدة والعشرين تصرحان بأن الصلاتين كانتا بإقامة واحدة. ولم تتعرض روايات مسلم للأذان، لكن في البخاري، في حج عبد الله بن مسعود، "أنه رضي الله عنه أمر رجلاً فأذن وأقام" وفي رواية أخرى له أيضاً عن عبد الرحمن بن يزيد قال: خرجنا مع عبد الله رضي الله عنه إلى مكة، ثم قدمنا جمعاً فصلى الصلاتين، كل صلاة وحدها بأذان وإقامة، والعشاء بينهما" وأخذ بظاهر هذا الحديث مالك قال الحافظ ابن حجر: وهو اختيار البخاري، وروى ابن عبد البر عن أحمد بن خالد أنه كان يتعجب من مالك حيث أخذ بحديث ابن مسعود، وهو من رواية الكوفيين مع كونه موقوفاً، ومع كونه لم يروه، ويترك ما روي عن أهل المدينة، وهو مرفوع؟ .
قال ابن عبد البر: وأعجب أنا من الكوفيين، حيث أخذوا بما رواه أهل المدينة، وهو أن يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة، وتركوا ما روي عن ابن مسعود، مع أنهم لا يعدلون به أحداً.