للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقد دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته من المزدلفة حتى أتى منى، فكان أول شيء فعله أن دخل بطن الوادي الذي به جمرة العقبة، وهو راكب ناقته، وبلال وأسامة -رضي الله عنهما- معه، أحدهما يمسك بزمام الناقة يقودها، والآخر رافع ثوباً على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، يظلله من الشمس، حتى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات، يكبر عند كل حصاة، ثم وقف قريباً من الجمرة يسأله الناس، ويجيبهم، ويعظهم، وكان فيما قال لهم: خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، واسمعوا لأمرائكم وأطيعوا، وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة، مادام يقودكم بكتاب الله. ثم أتى منزله صلى الله عليه وسلم بمنى، ثم نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم نسكه، ثم دعا الحلاق، فجلس وحلق، حلق شق رأسه الأيمن، ووزع شعره على من يليه من أصحابه، الشعرة والشعرتين، وحلق الشق الأيسر، فدعا أبا طلحة، وطلب منه أن يوزع شعره بين الناس. وحلق بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم، وقصر بعضهم ورغب صلى الله عليه وسلم في الحلق، فقال رحم الله المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: رحم الله المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: رحم الله المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين.

ولم يراع بعض الصحابة ترتيبه صلى الله عليه وسلم للأمور الأربعة، معتقدين أن الترتيب غير لازم، لكنهم لما علموا ترتيبه صلى الله عليه وسلم خافوا على صحة مناسكهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول أحدهم: يا رسول الله، لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر؟ فقال له: اذبح ولا حرج عليك، ويقول آخر: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ فقال له: ارم، ولا حرج عليك، ويقول ثالث: حلقت قبل أن أرمي؟ فقال له: ارم ولا حرج، ويقول رابع: أفضت إلى البيت، وطفت، وسعيت قبل أن أرمي؟ فقال له: ارم ولا حرج.

فما سئل صلى الله عليه وسلم عن شيء من هذه الأربع قدم أو أخر إلا قال: افعل ولا حرج.

ثم دخل صلى الله عليه وسلم مكة ضحى فطاف بالبيت، ثم رجع إلى منزله بمنى فصلى الظهر بمنى.

وهكذا رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم مناسك يوم النحر، وأوضحها لأمته قولاً وعملاً أوضح بيان صلى الله عليه وسلم.

-[المباحث العربية]-

(جمرة العقبة) وتسمى الجمرة الكبرى، وهي ليست من منى، بل هي حد منى من جهة مكة، وهي أخر الجمرات الثلاث بالنسبة إلى المتوجه إلى مكة من منى وهي التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة، والجمرة اسم لمجتمع الحصى، سميت بذلك لاجتماع الناس بها، يقال: تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا، وقيل: إن العرب تسمي الحصى الصغار جماراً فسميت، من تسمية الشيء بلازمه.

(من بطن الوادي) أي وقف في بطن الوادي، واستقبل الجمرة، ورماها من أسفل إلى أعلى،

<<  <  ج: ص:  >  >>