في السنة السابعة من الهجرة تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء حسب شروط صلح الحديبية، ولم يدخل الكعبة، لأن ذلك لم يكن من الشروط، ولأنها كان بداخلها أصنام وصور، لا يملك إزالتها، وعلى رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه إلى المدينة فتح مكة فأرسل عمر بن الخطاب إلى الكعبة، فأخرج الأصنام منها، ومحا ما أمكنه محوه من صور على حوائطها، ثم طلب من سادن الكعبة عثمان بن أبي طلحة مفتاح الكعبة، فأتاه به، ففتحها ودخلها هو وعثمان بن أبي طلحة وأسامة بن زيد وبلال، وأغلقوا عليهم الباب، فرأى على بعض حوائطها صورة لإبراهيم عليه السلام يضرب القداح ويستقسم بالأزلام، وصورة مريم وفي حجرها ابنها عيسى عليه السلام مرسومة على أحد الأعمدة، فأمر أسامة أن يأتيه بدلو من ماء، وأخذ يمحو هذه الصور، يبل الثوب ويضرب به الصور، ويقول: قاتل الله قوماً يصورون ما لا يخلقون، قاتلهم الله ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام. ثم دعا بزعفران فلطخ به ما صعب محوه من صور، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين في جوف الكعبة، وأخذ يتحرك في أركانها وهو يكبر الله ويسبحه ويحمده، ثم خرجوا.
وكان عبد الله بن عمر شديد العناية والحرص على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسرع إلى بلال قبل أن يخرج من باب الكعبة يسأله: هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ في الكعبة قال: نعم. قال له: أين صلى؟ وفي أي مكان منها صلى؟ فأشار إلى الموضع الذي صلى فيه صلى الله عليه وسلم، فكان ابن عمر يحج كثيراً، وكان يدخل الكعبة كثيراً وكلما دخل صلى في المكان الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-[المباحث العربية]-
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة) كان ذلك عام الفتح، كما في الرواية الثانية.
(هو وأسامة)"هو" ضمير الفصل، يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(وعثمان بن طلحة الحجبي) قال النووي: هو بفتح الحاء والجيم، منسوب إلى حجابة الكعبة، وهي ولايتها وفتحها وإغلاقها وخدمتها، ويقال له ولأقاربه الحجبون والحجبة، وهو عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري، أسلم مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص في هدنة الحديبية، وشهد فتح مكة، ودفع النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة إليه وإلى أبي شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وهو ابن عم عثمان هذا، لا ولده، وقال: خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم، ثم نزل المدينة، فأقام بها إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تحول إلى مكة، فأقام بها حتى توفي، سنة اثنتين وأربعين، وقيل إنه استشهد يوم أجنادين -بفتح الدال وكسرها- وهي موضع بقرب بيت المقدس، كانت غزوته في أوائل خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم "كل مأثرة كانت في الجاهلية فهي