فكأنه صلى الله عليه وسلم ذكر لهم الآية، وبينها بالحديث، فذكروا إشكالهم.
(فقال رجل) قال النووي هذا الرجل السائل هو الأقرع بن حابس، كذا جاء مبيناً في غير هذه الرواية. اهـ
وكان صلى الله عليه وسلم يسميه الأحمق المطاع وكان فيه شيء من جفاة الأعراب.
ولعل هذا السؤال كان يدور بخلد كثير من الصحابة، لذا أسند القول إلى المجموع في كثير من الروايات، فعند أحمد وابن ماجه "قالوا يا رسول الله" والباعث على هذه الشبهة أن الأمر في ذاته قد يقتضي التكرار، حتى إن بعض الأصوليين قالوا إنه يقتضي التكرار، والصحيح عند الشافعية أنه لا يقتضيه، وإن احتمله، وهناك قول ثالث بالتوقف، فالسائل سأل استظهاراً واحتياطاً. وقال الماوردي ويحتمل أنه إنما احتمل التكرار عند السائل من وجه آخر، لأن الحج في اللغة قصد فيه تكرر، فاحتمل عنده التكرار من جهة الاشتقاق، لا من مطلق الأمر، وقد تعلق بوجهة النظر هذه من قال بإيجاب العمرة، وقال لما كان قوله تعالى:{ولله على الناس حج البيت} يقتضي تكرار قصد البيت بحكم اللغة والاشتقاق وقد أجمعوا على أن الحج لا يجب إلا مرة كانت العودة الأخرى إلى البيت تقتضي كونها عمرة، لأنه لا يجب قصده لغير حج وعمرة بأصل الشرع. اهـ فللسائل عذره، واللوم يتجه إليه من حيث الإلحاح والتكرير، وكان يكفيه سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن الرد عليه مرة ومرتين، وقد عودهم أن سكوته عن السؤال انصراف عنه.
(لوجبت) أي للزمت وفرضت كلمة نعم أي مضمونها، وهو الوجوب كل عام.
(ذروني ما تركتكم) أي مدة تركي إياكم بغير أمر بشيء، ولا نهي عن شيء، أي ذروا سؤالي فيما تركته، فإنني لا أترك عن تقصير أو نسيان. زاد الدارقطني في هذا الحديث فنزلت:{يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}[المائدة: ١٠١].
(وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) عدم التقييد في النهي بالاستطاعة لأن كل مكلف قادر على الترك، بخلاف الفعل، فإن العجز عن تعاطيه محسوس.
-[فقه الحديث]-
قال النووي: أجمعت الأمة على أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة بأصل الشرع، وقد تجب زيادة، بالنذر، أو بدخول الحرم لحاجة لا تكرر، كزيارة وتجارة على مذهب من أوجب الإحرام لذلك بحج أو عمرة.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم: ]-
١ - شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، مصداقاً لقوله تعالى:{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}[التوبة: ١٢٨].