يزيد الحديث عن الحديث السابق بخمس كبائر: السحر، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات.
١ - أما السحر: فقد اختلف فيه: قيل هو تخييل فقط ولا حقيقة له، وإليه ذهب بعض الشافعية وبعض الحنفية وابن حزم الظاهري، ويؤيدهم ظاهر قوله تعالى:{يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى}[طه: ٦٦].
وقال الجمهور: إن للسحر حقيقة. قال النووي: وهو الصحيح، وعليه عامة العلماء ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة. اهـ.
وعلى القول بأن للسحر حقيقة هل يقع به انقلاب عين: بأن يتحول الشيء من حقيقة إلى حقيقة أخرى، كأن يصير الجماد حيوانا مثلا وعكسه؟ أو تأثيره فقط على الشخص المقصود، بحيث يغير مزاجه، ويؤثر في حواسه ووجدانه، فيرى الحلو مرا، والأبيض أصفر والساكن متحركا، والجميل قبيحا، والقبيح جميلا، والمحبوب مكروها، والمكروه محبوبا؟
أكثر الجمهور على الثاني، وذهبت طائفة قليلة إلى الأول، وهو ضعيف.
والفرق بين السحر والمعجزة والكرامة- على القول بأن له حقيقة- أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك، بل إنما تقع غالبا اتفاقا، وأما المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي. ونقل إمام الحرمين الإجماع على أن السحر لا يظهر إلا من فاسق، وأن الكرامة لا تظهر على يد فاسق.
قال الحافظ ابن حجر: وينبغي أن يعتبر بحال من يقع الخارق منه. فإن كان متمسكا بالشريعة، متجنبا للموبقات، فالذي يظهر على يده من الخوارق كرامة، وإلا فهو سحر.
أما إنكار السحر إنكارا كليا فهو مكابرة، فالآيات والأحاديث المثبتة له لا يسهل تأويلها، من ذلك قوله تعالى:{واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم}[البقرة: ١٠٢] والآيات الكثيرة الخاصة بسحرة فرعون.
ومن ذلك ما رواه البخاري من أن النبي صلى الله عليه وسلم سحره رجل من بني زريق يقال له: لبيد بن العصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله.
ومع هذا ينبغي ألا نغفل عن أن كثيرا مما يطلق عليه السحر مما يفعله المشعوذة والدجالون في عصرنا الحاضر لا حقيقة له، وهو نصب واحتيال ينبني على خداع الجهلة والبسطاء بخفة في