٢٩٨١ - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "يتركون المدينة على خير ما كانت. لا يغشاها إلا العوافي (يريد عوافي السباع والطير) ثم يخرج راعيان من مزينة. يريدان المدينة. ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشاً. حتى إذا بلغا ثنية الوداع، خرا على وجوههما".
-[المعنى العام]-
فضل الله تعالى بعض الأماكن على بعض، {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً}[آل عمران: ٩٦، ٩٧]. كان البيت في مكة قبل إبراهيم عليه السلام، فاندثر وضاعت معالمه وآثاره، وبوأ الله لإبراهيم مكان البيت، فأعاد بناءه، وطلب من ربه تجديد قدسيته وميزاته، {رب اجعل هذا البلد آمناً}[إبراهيم: ٣٥]. آمناً لنبي آدم، وآمناً لكل ذي روح، واستجاب الله دعاء إبراهيم، فحرم جل شأنه صيد الحرم، وسفك الدم فيه، وحرم قطع شجره.
ولئن كانت مكة أحب البلاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتبارها مولده ونشأته ووطنه الأول إلا أن المدينة آوته ونصرته ونشرت دينه، وكان فيها ومنها ربيع الإسلام، رجع إليها صلى الله عليه وسلم بحنان ورغبة صادقة وحب أكيد بعد فتح مكة، وكانت مكافأته لهذه البلدة الكريمة أن دعا ربه لها أن يجعلها حراماً كمكة، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة، ومثله معه. اللهم بارك لأهل المدينة في مدينتهم ومكيالهم وموازينهم ومقاييسهم وجميع مقاديرهم، بركة مع بركة. فأجاب الله دعاءه، فأخبر أمته فقال صلى الله عليه وسلم: إني حرمت المدينة بأمر الله كما حرم إبراهيم مكة، حرمتها بحدودها المعروفة، ما بين جبليها، حرمتها وما يقرب من اثنى عشر ميلاً حولها، لا يقطع شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يسفك فيها دم من أحدث فيها حدثاً، أو أتى فيها بظلم، أو آوى ظالماً فهو مطرود من رحمة الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه عملاً صالحاً، وذمة المسلمين واحدة، يجير أدناهم كما يجير أعلاهم، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى. وقال.
لقد دعوت الله أن يحبب إلينا المدينة، وأن يصحح أهلها من الأوبئة وعلى سكانها الصبر على شدتها لأكون شفيعاً وشهيداً لهم يوم القيامة.
لقد دعوت الله تعالى أن يحرسها، فلن يدخلها الطاعون ولا الدجال وستنفي خبثها، وتخرج الفجرة من سكانها، فحافظوا على البقاء فيها، فمن خرج منها غير راغب فيها عوضها الله بخير منه إنها طيبة، من أرادها بسوء قصمه الله وأهلكه وأذابه كما يذوب الملح في الماء.