أبي ذر فأعاد: وإن زنى وإن سرق؟ وأعاد الرسول صلى الله عليه وسلم الجواب: وإن زنى وإن سرق، يكرر أبو ذر استفهام التعجب ثلاثا ويكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم جواب الرجاء، ويختم ثالث أجوبته بقوله: على رغم أنف أبي ذر. ويهز أبو ذر رأسه متعجبا، ويخرج ممسكا بأنفه وهو يردد "على رغم أنف أبي ذر".
كما جاءت النصوص أيضا بطرف يجمع بين الخوف والرجاء. يقول جل شأنه في صفة المؤمن: {يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} [الزمر: ٩]. ويقول: {غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير} [غافر: ٣].
وبهذا يرسم الإسلام الطريق الصحيح، خوف يجعل السابقين لا يأمنون العاقبة، ويدفع عمر بن الخطاب [وهو المبشر بالجنة وقصورها وحورها] إلى أن يقول: لئن نادى مناد أن كل الناس يدخلون الجنة إلا واحدا لخشيت أن أكون ذلك الواحد. ويدفع أبا بكر [حبيب حبيب الله] إلى أن يقول: لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمي في الجنة.
ورجاء يجعل العاصي الذي لم يعمل خيرا قط وعمل عمره بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيكون من أهل الجنة.
نعم. الطريق الصحيح خوف ورجاء، وعمل وأمل، فمن اقتصر على الخوف وأنكر الرجاء كان قانطا من رحمة الله، يائسا من روح الله. و {إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: ٨٧].
ومن اقتصر على الرجاء، وطرح الخوف من الله وحسابه كان جاهلا، مغترا، مستهترا بوعيد الله.
وما أحسن جواب ابن منبه حين قيل له: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى.
ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك وما أسنان المفتاح إلا العمل مع الإيمان.
جعلنا الله من المؤمنين العاملين، الراجين الخائفين، إنه سميع مجيب.
-[المباحث العربية]-
(من مات يشرك بالله شيئا) جملة "يشرك" حال من فاعل "مات" و"شيئا" مفعول به، أي يشرك معبودا كالأصنام أو مفعول مطلق، أي إشراكا ما، وفي رواية "من مات وهو يدعو من دون الله ندا" قال القرطبي: الشرك أن يتخذ مع الله شريكا في الإلهية، لكن صار نفي الشرك بحكم العرف عبارة عن الإيمان الشرعي.
(وقلت أنا) الضمير المنفصل تأكيد للضمير المتصل.
(ومن مات) معطوف على محذوف، تقديره: قلت أنا: من مات يشرك بالله شيئا دخل النار، ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، حاكيا الأولى منشئا الثانية.