كان الطلاق قبل الإسلام على مصراعيه، دون تحديد بعدد، وكان مباحًا في طهر أو حيض، لا يحسب للمرأة حساب. في تطويل عدتها، بل كانوا يسيئون إليها، يتركونها تعتد، حتى آخر يوم من عدتها يرجعونها، ثم يطلقونها، فتعتد، حتى آخر يوم من عدتها يرجعونها، وهكذا دون تحديد، فتعيش المرأة معلقة، لا هي زوجة فتحصن ولا هي أيم فتتزوج، فلما جاء الإسلام رعاها، وأحاط حق الرجل في الطلاق والرجعة بسياج يمنع تعسفه في استخدام هذا الحق ونزل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق: ١] حرص الإسلام أن لا تطول عدة المرأة يومًا واحدًا عما قدره لها، بل أمر أن يكون الطلاق بحيث تستقبل عدتها، وذلك لا يكون إلا إذا طلقها في طهر لم يجامعها فيه، لأنه لو طلقها في طهر جامعها فيه لم يحسب هذا الطهر من القروء الثلاثة، وبدأت عدتها بالطهر الذي يلي حيضتها عند من يقول بأن العدة بالأطهار، ولو طلقها في الحيض لم تحسب هذه الحيضة من القروء الثلاثة، وبدأت عدتها بحيضة أخرى عند من يقول بأن العدة بالحيضات. فكان لزامًا أن يطلق من أراد الطلاق في طهر لم يجامع فيه.
وأخطأ عبد الله بن عمر فطلق امرأته في الحيض، وعلم بذلك أبوه عمر - رضي الله عنهما - ولم يدر ماذا عليه وقد أخطأ وفعل هذا الممنوع؟ فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: يا رسول الله، إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، فغضب صلى الله عليه وسلم لهذه المخالفة التي وقعت من أشد الصحابة حرصًا على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وصغيرة الكبير كبيرة، غضب حتى تغيظ صلى الله عليه وسلم، وقال لعمر: مر ابنك عبد الله أن يراجعها، ثم ليمسكها عنده بقية حيضتها، ثم يظل ممسكًا لها طهرًا بعد حيضها، ثم حيضًا آخر، فإذا طهرت بعد الحيضة الثانية، وكان مصرًا على طلاقها، فليطلقها طاهرًا قبل أن يجامعها، فتلك الحالة هي التي أذن الله للرجال أن يطلقوا فيها النساء.
-[المباحث العربية]-
(أنه طلق امرأته وهي حائض) الطلاق في اللغة حل الوثاق، مشتق من الإطلاق، وهو الإرسال والترك، وفي الشرع حل عقدة التزويج، قال إمام الحرمين، هو لفظ جاهلي، ورد الشرع بتقريره، وطلقت المرأة بفتح الطاء، وضم اللام وفتحها، وفتحها أفصح، وطلقت أيضًا بضم الطاء وكسر اللام المشددة وامرأة ابن عمر هذه اسمها آمنة بنت غفار، وقيل: اسمها النوار، ويمكن الجمع بأن يكون اسمها آمنة، ولقبها النوار.
ولم يؤنث لفظ "حائض" لأن الصفة إذا كانت خاصة بالنساء فلا حاجة لتأنيثها، وجملة "وهي حائض" في محل النصب على الحال.