المعنى المراد من قوله صلى الله عليه وسلم للمقداد: "فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال".
فذهب المهلب إلى أن معناه: إنك بقصدك لقتله عمدا آثم، كما كان هو بقصده لقتلك آثما، فأنتما في حالة واحدة من العصيان. اهـ.
ومعناه: إن قتلته كنت آثما كحاله قبل الإسلام، وهو بعد إسلامه صار نقيا كحالك قبل أن تقتل، فالمشابهة في مطلق الإثم والنقاء من الإثم لا في الكفر.
وقيل: المراد إن قتلته مستحلا لقتله بعد سماعك الحكم فأنت بمنزلته قبل أن يسلم، أي فأنت كافر، وهو بعد قولها مسلم، بمنزلتك قبل أن تقتل، وهذا تأويل بعيد.
وقيل: معناه إنه مغفور له بشهادة التوحيد، كما أنك مغفور لك بشهود بدر. وهذا التأويل أكثر بعدا من سابقه، فإنه إن صح بالنسبة للجملة الأولى "فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله" فإنه لا يصح بالنسبة للثانية "وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال".
ونقل ابن التين عن الداودي أنه قال: يفسره حديث ابن عباس الذي رواه البخاري "قال": قال النبي صلى الله عليه وسلم للمقداد: إذا كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، فكذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة من قبل".
والمعنى على هذا أنك إن قتلته يحتمل أن يكون بمنزلتك في مكة، وأنك كنت في مكة بمنزلته في قومه من حيث إخفاء الإيمان.
وقيل: إن هذه العبارة لم يقصد منها معناها الحقيقي، وإنما قصد منها الإغلاظ بظاهر اللفظ للردع والزجر.
وقال الإمام النووي: أحسن ما قيل وأظهره ما قاله الإمام الشافعي وابن القصار المالكي وغيرهما أن معناه: فإنه معصوم الدم محرم قتله بعد قوله لا إله إلا الله كما كنت أنت قبل أن تقتله، وإنك بعد قتله غير معصوم الدم ولا محرم القتل كما كان هو قبل قوله: لا إله إلا الله. قال ابن القصار: يعني لولا عذرك بالتأويل المسقط للقصاص عنك. ونحن مع الإمام النووي في أن هذا المعنى أوضح التوجيهات وأحراها بالقبول.
-[ويؤخذ من الحديث]-
١ - أن (لا إله إلا الله) تعصم الدم، وأن الحكم بالظاهر واجب.
٢ - احتج بقول المقداد، فقال: أسلمت لله، أنه يصح الدخول في الإسلام بكل ما يدل على الدخول فيه من قول أو فعل، مما يتنزل منزلة النطق بالشهادتين. وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام بني جذيمة الذين قتلهم خالد وهم يقولون: صبأنا، صبأنا، ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا. فلما بلغ ذلك النبي