للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(قبل أن يقول كلمته التي قال) عائد الصلة [مفعول قال] محذوف تقديره: التي قالها.

(فلما أهويت لأقتله) أي ملت. يقال هويت وأهويت إليه باليد والسيف كلاهما لازم، والهمزة ليست للتعدية، وقيل: أهويته أملته، وقال بعض أهل اللغة: الإهواء التناول باليد والضرب.

(قال: لا إله إلا الله) كناية عن الشهادتين، وقيل: هي وحدها كافية في الكف عن قائلها.

-[فقه الحديث]-

ظاهر سياق هذا الحديث أن الواقعة حصلت للمقداد، وأن رجلا كافرا قد ضرب إحدى يديه بالسيف فقطعها، لكن قال الحافظ ابن حجر: إن نفس الأمر بخلافه، وإن المقداد سأل عن الحكم في ذلك لو وقع، وقد استدل به على جواز السؤال عن النوازل قبل وقوعها، وما نقل عن بعض السلف من كراهة ذلك، محتجين بقوله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: ١٠١] فإنه محمول على السؤال عن الأمور التي يندر وقوعها أما ما يمكن وقوعها عادة فيشرع السؤال عنها للتعلم وتوقي الخطأ فيها. قال ابن العربي: والاحتجاج بالآية على هذا جهل، لأنها إنما هي فيما يسوء الجواب عنه.

وقد روى البزار عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا وبقي رجل له مال كثير، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقتله المقداد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كيف لك بلا إله إلا الله غدا؟ وأنزل الله قوله {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا} [النساء: ٩٤].

فإن صحت هذه الرواية - وهي لا تكاد تصح- حمل سؤاله على المراجعة في نفس الجلسة ظنا منه أن القتل في مقابلة قطع اليد جائز، وأن منع القتل بعد لا إله إلا الله حماية للنفس والمال، يشهد لذلك إعادته السؤال مرتين -متعجبا- عن قاطع اليد، والذي يدعونا إلى هذا الحمل أنه من المستبعد أن يسمع الحكم بالنهي عن القتل بعد الشهادة ولو تعوذا ثم يفعل نقيضه فيقتل متعوذا.

وليست مراجعة المقداد في حديثنا من قبيل كراهته للحكم ومما نعته له، بل من قبيل التعجب والغرابة، لمخالفته ما كان يظن وما كان يتوقع، ووجهة نظره من زاويته معقولة، فقد تستغل (لا إله إلا الله) لفرار الكفار من سطوة المؤمنين وعقابهم، دون أن يكون لها أصل في قلوبهم، ووجهة نظر الإسلام أكثر دقة وفقها، فإن الله وحده هو العالم بالقلوب، وقد أمرنا بالعمل بالظاهر والله يتولى السرائر.

ولعل المقداد لم يكن سمع حديث "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" أو لعله فهم منه "حتى يقولوا لا إله إلا الله" في غير تعوذ وفي غير جناية منهم واعتداء. وقد اختلف العلماء في

<<  <  ج: ص:  >  >>