{(وإن كنتن تردن الله ورسوله)} أي تردن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الله تعالى للإيذان بجلالة محله عليه الصلاة والسلام عنده تعالى.
{(والدار الآخرة)} أي نعيمها الوفير الباقي الذي لا يقاس به أي نعيم في الدنيا.
ولما كان سبب هذا التخيير وسبب اعتزاله صلى الله عليه وسلم أزواجه مختلفًا فيه كان السبب الظاهر لهذا التخيير طلبهن زيادة النفقة، كما جاء في الرواية الثامنة.
(في أي هذا أستأمر أبوي؟ )"أي" تضاف إلى متعدد، وهنا متعدد في المعنى، لأنهما أمران. الطلاق والبقاء، فكأنها قالت: في أي هذين الأمرين أستأمر؟ والاستفهام إنكاري. أي لا أستأمر أبوي في اختيار أحد الأمرين. وفي الرواية الثامنة "أفيك يا رسول الله أستشير أبوي"؟
(فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة) أي بل أختار رسول الله صلى الله عليه وسلم، زاد في الرواية الثامنة "وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت" أي باختياري لك. قيل: تريد أن تستأثر منه صلى الله عليه وسلم بحظ أوفر إن اختارت بعض النساء الفراق، وقيل: إنها تريد أن يكون اختيارهن مبنيًا على إرادتهن وحدها، دون التأثر برأي الآخرين، وفي الرواية الثانية عشرة "لا تخبر نساءك أني اخترتك".
كما زاد في الرواية الثامنة أيضًا "قال: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتًا أو متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا" وكأنه صلى الله عليه وسلم قبل أن لا يخبر من تلقاء نفسه بما اختارت عائشة لكن حين يسأل يلزم أن يجيب، وإلا كان مضيقًا على نفسه وعلى غيره، والعنت الضيق والعسر والمشقة.
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا، بعد ما نزلت {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ... })"ترجي" أي ترجئ وتؤخر مضاجعة من تشاء من نسائك، وتضم إليك وتضاجع من تشاء {ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح} أي ومن طلبت ممن تجنبت فلا حرج عليك.
هذا التفويض الذي منحه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم لم يكن يستخدمه صلى الله عليه وسلم فكان يلتزم القسم، ويحافظ عليه بدقة، لدرجة أنه إذا احتاج الأمر إلى زيادة واحدة من يوم الأخرى استأذن صاحبة اليوم.
(إن كان ذاك إلي لم أوثر أحدًا على نفسي) قال النووي: هذه المنافسة فيه صلى الله عليه وسلم ليست لمجرد الاستمتاع ولمطلق العشرة وشهوات النفوس وحظوظها التي تكون من بعض الناس، بل هي منافسة في أمور الآخرة، والقرب من سيد الأولين والآخرين والرغبة فيه، وفي خدمته ومعاشرته، والاستفادة منه، وفي قضاء حقوقه وحوائجه، وتوقع نزول الرحمة والوحي عليه عندها، ونحو ذلك.