للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لها ولا سكنى، وحجتهم ظاهر حديث فاطمة بنت قيس، ونازعوا في تناول الآية المطلقة البائن، واعتمدوا مراجعة فاطمة وتفسيرها للآية الواردة في روايتنا السابعة، وشرحناه قريبًا في المباحث العربية، عند فقرة "فأبى مروان أن يصدقه" وقالوا: الآية في الرجعية.

المذهب الثالث: مذهب الشافعية والمالكية والجمهور، وهو أن لها السكنى - إلا لسبب شرعي - ولا نفقة لها، وهو قول ابن مسعود وابن عمر وعائشة وسعيد بن المسيب والثوري وأصحاب الرأي وإحدى الروايتين عن أحمد ويستدلون على وجوب السكنى بما استدل به أصحاب المذهب الأول قوله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن} وقوله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} ولم يفرق في المطلقة في هذا بين الرجعية والبائن، فهما سواء في وجوب السكنى.

أما النفقة فقد خصتها الآية بالحامل، حيث يقول جل شأنه في العدة وواجباتها {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا * ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا* أسكنوهن} - أي في العدة المذكورة بأنواعها - {من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} [الطلاق: ٤ وما بعدها].

فمفهوم الآية أن غير الحامل لا نفقة لها، وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر معنى، قالوا: والسياق يفهم أن الآية في غير الرجعية، لأن نفقة الرجعية واجبة وجوبًا ظاهرًا مدة عدتها، ولو لم تكن حاملاً، لأنها زوجة ترثه ويرثها إذا مات أحدهما في العدة، ولا كذلك البائن.

وهؤلاء لا يردون حديث فاطمة بنت قيس، وإنما يوجهونه، كما سيأتي. أما الحنفية فيقولون عن الآية: إنما قيد النفقة بحالة الحمل ليدل على إيجابها في غير حالة الحمل بطريق الأولى، لأن مدة الحمل تطول غالبًا، فإذا وجبت في المدة الأطول وجبت في المدة الأقصر من باب أولى. ورد هذا بأنه قياس فاسد، لأن مدة الحمل قد تقصر عن عدة القروء، ولأن قياس الحائل على الحامل يتضمن إسقاط قيد ورد به القرآن الكريم.

فتحصل في حكم السكنى والنفقة مدة العدة للمطلقة ما يأتي:

أولاً: المطلقة طلاقًا رجعيًا لها السكنى والنفقة والكسوة مدة العدة بلا خلاف، حاملاً كانت أو حائلاً، لأنها زوجة ترثه ويرثها إن مات أحدهما أثناء العدة، ولأن الزوجية باقية، والتمكين من الاستمتاع موجود. وتسكن حيث يختار لها، مادام المسكن يصلح لمثلها، وإن طلقت وهي في مسكن لزمها أن تعتد فيه، ويحرم على الزوج أن يخرجها من مسكنها، ويحرم عليها أن تخرج منه، إلا في الموضع الذي استثناه جل شأنه بقوله {واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن

<<  <  ج: ص:  >  >>