وفسر الراوي المنابذة في الرواية الثانية بأن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر، ولم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه. وفي الرواية الثالثة "بأن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه، وينبذ الآخر إليه ثوبه، ويكون ذلك بيعهما، من غير نظر ولا تراض".
فعلة النهي كعلة النهي عن الملامسة، الجهالة، وانعدام صيغة البيع في العقد، وقطع الخيار.
وقيل: المراد من النبذ طرح الحصاة الآتي في الرواية الرابعة، والصحيح أنه غيره.
قال الحافظ ابن حجر: ظاهر الطرق كلها أن تفسير المنابذة والملامسة من الحديث المرفوع، وقيل: التفسير من الصحابي، وهو ظاهر حديث أبي سعيد الخدري [روايتنا الثالثة].
(نهانا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيعتين ولبستين)"بكسر اللام اسم هيئة، ولم يوضح هنا اللبستين ما هما؟ ووضح إحداهما في رواية للبخاري بقوله "أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد، ثم يرفعه على منكبه" وبين الثنتين عند أحمد، فقال "أن يحتبي الرجل في ثوب واحد، ليس على فرجه منه شيء، وأن يرتدي في ثوب، يرفع طرفيه على عاتقيه" يقال: احتبى بالثوب إذا أداره على ساقيه وظهره، وكانوا لقلة مالهم كثيرًا ما كانوا يلبسون ثوبًا واحدًا، يستخدمونه إزارًا ورداء في وقت واحد، فكان بعضهم يعني بالنصف الأسفل، فيلف الثوب عليه وليس على عاتقيه منه شيء، وكان بعضهم يعني بالنصف الأعلى فيغطي عاتقيه، ويعرض عورته للكشف، فنهوا عن ذلك وتلك. وعلمهم صلى الله عليه وسلم الكيفية المثلى عند الاكتفاء بالثوب الواحد، فلفه حول وسطه، يستر عورته، ثم أخذ طرفه فألقاه من الأمام على كتفه الأيمن، ومرره من ظهره إلى تحت يده اليسرى، وأخذ الطرف الثاني، فألقاه من الأمام على كتفه الأيسر، ومرره من خلفه إلى تحت يده اليمنى، ثم جمع الطرفين فعقدهما على صدره ففي هذا الوضع ستر للعورة، وستر لجزء من العاتق أو المنكب، مع تمكن الثوب من الجسم، بحيث لا تنكشف العورة أثناء الركوع والسجود.
(نهى عن بيع الحصاة) أي عن بيع الشيء بواسطة الحصاة. قال النووي: في بيع الحصاة ثلاثة تأويلات: أحدها: أن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها، أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة التي أرميها، فعلة النهي الجهالة والغرر. والثاني: أن يقول: بعتك على أنك بالخيار، إلى أن أرمي بهذه الحصاة، فعلة النهي إبطال شرط خيار المجلس وغيره. والثالث: أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعًا، فيقول: إذا رميت بالحصاة فهو مبيع لك بكذا. فعلة النهي انعدام الصيغة في عقد البيع. وكل هذه بيوع جاهلية.
(وعن بيع الغرر) في كتب اللغة: غره الشيطان يغره غرًا وغرورًا، وغرة بكسر الغين، وغررًا محركة، فهو مغرور وغرير، خدعه وأطمعه بالباطل، والغرر محركة هو الخطر، وفيه الحديث "نهي عن بيع الغرر" وهو مثل بيع السمك في الماء، والطير في الهواء، وقيل: هو ما كان له ظاهر يغر المشتري، وباطن مجهول، وقيل: هو أن يكون على غير عهده ولا ثقة. قال