ومنها بيع العنب على الكرم خرصًا بالتمر على الأرض كيلاً، وهو جائز.
وبيع الرطب والعنب على أصولهما خرصًا بالدرهم والدينار، وهو جائز أيضًا.
٣ - والظاهر أن العرايا من قبيل المزابنة، لكنها مستثناة منها، رخص بها للحاجة، وقيل: إن العرايا ليست بيعًا، وليست من المزابنة أصلاً، وإنما هي هدية، لكن الروايات الكثيرة التي تعبر عنها ببيع العرايا لا تساعد هذا القول، بل تعارضه وترفضه. وللعرايا صور يختلف العلماء في حكمها. منها:
(أ) أنها نخلة أو نخل، عليها رطب، توهب لمساكين، أي يوهب رطبها لمساكين، وليس أصولها، فيحتاج هؤلاء المساكين إلى التمر، لا يستطيعون أن ينتظروا حتى يصير الرطب تمرًا ولا يحبون أن يأكلوا رطبًا، فرخص لهم أن يبيعوا الرطب على النخل خرصًا بتمر عاجل كيلاً.
(ب) النخلة أو النخلات في بستان لرجل يوهب رطبها لمحتاجين -وكانت العادة أنهم يخرجون بأهليهم في وقت الثمار إلى البساتين، فيكره صاحب البستان دخولهم، ويتضرر منهم، فيعرض على الموهوب له أن يبيعه، بخرص رطبه تمرًا، ليدفع الضرر بدخولهم، فرخص له في ذلك، أو يتأذى الموهوب له، فيعرض على الواهب أن يشتري منه الرطب بتمر، فيقبل. اشترط مالك في جواز هذه الصورة أن يكون البيع بعد بدو الصلاح، وأن يكون بتمر مؤجل، وخالفه الشافعي في الشرط الأخير، فقال: يشترط التقابض.
كما اشترط مالك في هذه المعاملة أن تكون مع الواهب خاصة، مالك أصول النخل، ورخص بها لما يلحقه من الضرر، وقصر العارية المرخص بها على هذه الصورة، وأجازها الشافعي للمالك ولغيره، كما أجاز الصور الأخرى.
(ج) أن يقول الرجل لصاحب بستان: بعني رطب هذه النخلات بخرصها، فيخمن ما عليها، ويقدر كم ينقص إذا يبس، ثم يسلم نفس المقدار تمرًا، ويسلم البائع النخلات. وهذه الصورة أجازها الشافعي في حدود أقل من خمسة أوسق، وفي الخمسة أوسق نفسها خلاف.
(د) أن يبيع الرجل ثمر حائطه بعد بدو صلاحه، ويستثني منه نخلات معلومة، يبيتها لنفسه أو لعياله، وهي التي يعفي له عن خرصها في الصدقة، فرخص لأهل الحاجة الذين لا نقد لهم، وعندهم فضول من التمر أن يبتاعوا بذلك التمر من رطب تلك النخلات بخرصها. وهذه الصورة أجازها الشافعي في أقل من خمسة أوسق.
ومنع أبو حنيفة صور البيع كلها، وقصر العرية على الهبة، وهي أن يعري الرجل تمر نخلة من نخله، ولا يسلم ذلك له، ثم يبدو له ارتجاع تلك الهبة، فرخص له الشرع أن يحتبس ذلك، ويعطيه بقدر ما وهبه له من الرطب بخرصه تمرًا، وحمله على ذلك عموم النهي عن بيع الثمر بالتمر، وتعقب باستثناء العرايا في حديث ابن عمر، وزيد بن ثابت، ورافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة. وقال بعض الحنفية: العرية العطية، فلا تطلق إلا على الهبة، ورد بأنه لا يلزم من كون أصل العرية العطية أن لا تطلق العرية شرعًا على صور أخرى.