وأما حديث أسامة فقد قال قائلون بأنه منسوخ بهذه الأحاديث، وقد أجمع المسلمون على ترك العمل بظاهره وهذا يدل على نسخه، وتأوله آخرون بأنه محمول على غير الربويات، كبيع الدين بالدين مؤجلاً، أو أنه محمول على الأجناس المختلفة، أو أنه مجمل، وحديث عبادة وأبي سعيد الخدري وغيرهما مبين، فوجب العمل بالمبين، وتنزيل المجمل عليه. اهـ.
ثانيها: أن يبيعه جنسه، لكن بما يجمعهما علة واحدة، كالذهب بالفضة، وكالحنطة بالشعير أو بالتمر أو بالملح، فيجوز التفاضل، ويحرم النساء والتفرق قبل التقابض، لقوله في الرواية السابعة "فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد" وقوله في الرواية الثانية عشرة "ما كان يدًا بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو ربا" وقولهما في الرواية الثالثة عشرة "نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الورق بالذهب دينًا" وموقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحديثه في الرواية الخامسة واضح في ذلك وصريح، قال النووي: وجوز إسماعيل بن علية التفرق عند اختلاف الجنس، وهو محجوج بالأحاديث والإجماع ولعله لم يبلغه الحديث، فلو بلغه لما خالفه. اهـ.
ثالثها: أن يبيعه بغير جنسه، مما لا يجمعهما علة واحدة، كالقمح بالذهب، فيجوز التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-
١ - من قوله "لا تبيعوا الذهب بالذهب ... إلخ" أخذ العلماء أنه يتناول جميع أنواع الذهب والورق، من جيد ورديء، وصحيح ومكسور، وحلي وتبر، وغير ذلك، وسواء الخالص والمخلوط بغيره، قال النووي: وهذا كله مجمع عليه.
٢ - وأنه يستوي في تحريم الربا الرجل والمرأة والعبد والمكاتب بالإجماع.
٣ - وظاهر التعميم أنه لا فرق في تحريمه بين دار الإسلام ودار الحرب، فما كان حرامًا في دار الإسلام كان حرامًا في دار الحرب، سواء جرى بين مسلمين، أو مسلم وحربي، وسواء دخلها المسلم بأمان أم بغيره.
قال النووي في المجموع: هذا مذهبنا، وبه قال مالك، وأحمد وأبو يوسف والجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يحرم الربا في دار الحرب بين المسلم وأهل الحرب، ولا بين مسلمين لم يهاجرا منها، واحتج له بحديث "لا ربا بين مسلم وحربي في دار الحرب" ولأن أموال أهل الحرب مباحة بغير عقد، فالعقد الفاسد أولى. واحتج الجمهور بعموم القرآن والسنة وأجابوا عن الحديث المذكور بأنه ضعيف.
٤ - واستدل أصحاب مالك بالرواية الخامسة، وأنه لم يصح البيع مع انتظار الخادم، على أنه يشترط التقابض عقب العقد، حتى لو أخره عن العقد، وقبض في المجلس لا يصح عندهم، والجمهور يقول بصحة القبض في المجلس، وإن تأخر عن العقد يومًا أو أيامًا ما لم يتفرقا. وليس في هذا الحديث حجة لأصحاب مالك، لأنه يحتمل أن طلحة قال ذلك ظانا جوازه، ولم يكن بلغه حكم المسألة، فأبلغه عمر رضي الله عنه فترك المصارفة.